إذا ما دخلت المتحف المصري بميدان التحرير في القاهرة، وتوجهت إلى الطابق الثاني حيث يقع الجناح الشرقي، ستجد مجموعة مميزة من المقتنيات تضم 214 قطعة، تشتمل على توابيت ضخمة وكراسي مذهبة وأسرة وقطع جنائزية وتماثيل وأواني وعجلة حربية وأقنعة ذهبية وحلي.
ووسط كل هذه المعروضات ستصادف مومياء لم يصبها شيء من التحلل لرجل شديد الوقار له شعر ذهبي وأنف معقوف هو الوزير يويا الذي عاش في زمن الأسرة الثامنة عشر، إلا أن أكثر ما يثير الاهتمام بشأن هذه المومياء، هو أن البعض يزعم أنها مومياء نبي الله يوسف الصديق عليه السلام!
فما قصة هذه المومياء وإلى من تعود بالتحديد؟ وما هي أدلة من يزعمون أنها مومياء سيدنا يوسف عليه السلام؟
غريب في وادي الملوك
في عام 1905، عثر المحامي والمنقب الأمريكي تيودور ديفيز على مقبرة صغيرة غير ملكية محفورة في الصخر بقلب وادي الملوك بالأقصر، بالقرب من مقبرة رمسيس الثاني عشر وتحتمس الرابع، كانت المقبرة تشتمل على حجرة واحدة وجدران خالية من النقوش تماما وتحتفظ بجميع محتوياتها تقريبا، وتضم توابيت الوزير يويا وزوجته تويا.
ويويا هو واحد من رجال الدولة المهمين في عصر الأسرة الثامنة عشر، حيث شغل منصب وزير الملك أمنحتب الثالث، وتزوج من تويا، ابنة أحد الكهنة الكبار في تلك الفترة.
** اقرأ أيضا: هل رسم الفراعنة نبي الله إبراهيم عند زيارته إلى مصر؟
كما كان يويا “حمى” أمنحتب الثالث، حيث تزوج الملك من ابنة يويا “تي” التي أصبحت ملكة مصر، والتي ستصبح أم الملك إخناتون فيما بعد.
نظيرة مثيرة للجدل
في عام 1987، قام الباحث المصري أحمد عثمان بإصدار كتاب باللغة الإنجليزية أثار ضجة كبيرة بين علماء المصريات، حمل عنوان “غريب في وادي الملوك.. حل لغز مومياء مصرية قديمة”، قدم عثمان في هذا الكتاب نظرية جديدة تتعلق بشخصية سيدنا يوسف عليه السلام، حيث قال بإن يوسف هو ذاته الوزير يويا وزير أمنحتب الثالث.
وبعده بعدة سنوات، أصدر المهندس وعالم المصريات الشهير الدكتور سيد كريم كتابا بعنوان “إخناتون” أعاد فيه طرح هذه النظرية مستندا إلى ما أورده أحمد عثمان ومضيفا عليه بعض التفاصيل الجديدة.
** حقيقة تمثال سيدنا يوسف الذي ظهر في فيلم “وادي الملوك”
وتتلخص نظرية أحمد عثمان وسيد كريم في أن عزيز مصر الذي عاش يوسف في قصره هو الملك “أمنحتب الثاني” وهو الذي حاولت زوجته إغواء يوسف ما تسبب في حبسه، قبل أن يقوم بتفسير الحلم للملك ومن ثم يكافأ بالإشراف على خزائم مصر، وبعد وفاة الملك تولى ابنه “تحتمس الرابع” الحكم الذي عين يوسف وزيرا له، إلا أن تحتمس الرابع توفي سريعا وهو لم يبلغ الثامنة والعشرين من عمره، ليتولى من بعده ابنه “أمنحتب الثالث”، وفي تلك الفترة أصبح سيدنا يوسف من أهم رجال الدولة حيث تزوج الملك من ابنته “تي” وأطلق عليه لقب “أبا الفرعون” وعينه وزيرا ومستشارا له والمسؤول الأول عن شؤون الدولة بعد الفرعون.
واستند كل من أحمد عثمان وسيد كريم إلى مجموعة من الأدلة التي اعتبرا أنها تؤكد نظريتهما، ويمكن اختصار هذه الأدلة في السطور التالية:
1- التشابه الكبير بين اسمي “يوسف ويويا”، فيويا اسم غير مصري، وهو ما كان سببا في اختلاف الكتبة المصريين في طريقة كتابته، حيث كتب بأكثر من طريقة منها “يويا”، “يا”، “يايي”، “يو”، “يويو”، “يايا” وغيرها من طرق الكتابة التي اعتمدت على طريقة النطق، وفسر أحمد عثمان اسم “يويا” بأنه منسوب إلى “يهوه” إله العبرانيين الذي جاء منهم بنو إسرائيل.
2- أطلق الملك أمنحتب الثالث العديد من الألقاب على “يويا”، منها: الأب المقدس لسيد الأرضين وحامل أختام الملك والأمير الوراثي والممدوح كثيرا في بيت الفرعون والمشرف على ثيران الإله آمون، وأهم هذه الألقاب هو لقب “أبا الفرعون”، وهو نفس اللقب الذي ورد في التوراة أن ملك مصر أطلقه على النبي يوسف، حيث تقول التوراة في سفر التكوين عن سيدنا يوسف “إنها إرادة الله التي جعلته يأتي إلى مصر ليصير (أبا الفرعون)”.
** اقرأ أيضا: لوحة نادرة رسمت لـ “صلاح الدين” في حياته تكشف ملامحه الحقيقية
3- بحسب التوراة، عندما قام يوسف بتفسير حلم الفرعون الخاص بالسبع بقرات، أهداه الملك ثلاث أشياء كمكافأة له، خاتم الملك وعجلة حربية وعقدا من الذهب الخالص، وهي نفس الأشياء التي عثر عليها في مقبرة “يويا” حيث عثر على عقد ذهبي ملكي وعجلة حربية، بينما أظهرت عمليات فحص ودراسة المقبرة أن أحد اللصوص دخل المقبرة عقب عملية الدفن بوقت قصير وقام بنزع الخاتم من يد يويا.
4- من المعروف أن سيدنا يوسف جاء من آسيا أي أنه من أصل سامي، ويقول أحمد عثمان وسيد كريم أنه بعد فحص مومياء “يويا” وزوجته، أجمع علماء الآثار على أن يويا لم يكن مصري الأصل بسبب تكوين جمجمته وأنفه المعقوف، بينما اتفقوا على أن زوجته كانت مصرية تماما، وهو نفس ما أشارت إليه التوراة من أن سيدنا يوسف تزوج من امرأة مصرية كانت تدعى “أسنات” وهي ابنة “فوطي فارع” كبير كهنة أون، في إشارة إلى أن أسنات هي نفسها تويا.
5- تشير التوراة إلى أن النبي يوسف توفى بعدما بلغ 110 سنة، وهو نفس ما تؤكده الفحوصات التي أجريت على مومياء يويا التي أظهرت أنه مات في سن متأخرة، فيما يقول سيد كريم أن ملامح المومياء “تحمل من الجلال والروعة ما يدل على أن صاحبها كان في شبابه وسيم الطلعة” في إشارة إلى ما كان يتمتع به سيدنا يوسف من جمال.
6- خلو جدران مقبرة يويا من أي رسوم، حيث كانت تزين مقابر المصريين عادة رسومات تمجد الآلهة المصرية وتتعلق بتصورهم عن الحياة الآخرة، وهو ما لم يكن يعتقد فيه النبي يوسف لأنه يؤمن بالله الواحد إله بني إسرائيل.
** اقرأ أيضا: 8 أدلة ترجح أن رمسيس الثاني هو “فرعون موسى”
7- سلامة مومياء يويا، حيث تعد واحدة من المومياوات النادرة التي لم يصبها أي شيء من التحلل أو التلف أو الكسور، نتيجة حفظها وتحنيطها بشكل سليم وبعناية فائقة، في إشارة إلى أن سلامة المومياء دليل على أنها مومياء نبي وليست مومياء بشر عادي.
8- دفن يويا في وادي الملوك، وهو أمر غير معتاد أن يتم دفن وزير مهما علا شأنه وسط الملوك، حيث اعتبر كل من أحمد عثمان وسيد كريم أن مجرد دفنه وسط الملوك دليل على مكانته الاستثنائية، وهي نفس المكانة التي كان يتمتع بها نبي الله يوسف في مصر أثناء حياته.
رفض النظرية
الضجة التي أحدثتها نظرية القول بأن الوزير يويا هو ذاته نبي الله يوسف عليه السلام، دفعت الكثير من علماء المصريات للرد عليها، معتبرين أن ما أورده أحمد عثمان مجرد “تخمينات” لا تستند إلى أي دليل أكاديمي، كما أنها لا تتوافق مع التسلسل الزمني المعروف لملوك مصر القديمة.
ومن أهم النقاط التي أثارها المعارضون لهذه النظرية، أن لقب “والد الفرعون” لم يطلق على يويا وحده، بل أطلق على غيره من الشخصيات على مر التاريخ المصري، ما يعني أنه لا يمكن الاستناد إليه كدليل على أن يويا هو ذاته يوسف.
** اقرأ أيضا: “مجلة لقمان”.. هل هي كتاب سماوي مجهول نزل في أسوان؟
كما قالوا أن أحمد عثمان وسيد كريم اعتمدوا على ما ورد في التوراة لإثبات صحة نظريتهما، بالرغم من أن التوراة تقول صراحة أن يوسف طالب أهله عند مماته بأن يحفظوا جثمانه وينقلوه معهم عندما يحين وقت خروجهم من مصر، وهو ما فعله موسى بعدها بعدة سنوات، أي أن جثمان يوسف طبقا للتوراة لم يظل مدفونا بمصر، بينما ظلت مومياء يويا في مصر آلاف السنين حتى عثر عليها في وادي الملوك عام 1905، لتنقل مع محتويات مقبرته إلى المتحف المصري.