تشرفت مصر منذ قديم الأزل، بأن وطأت على أرضها أقدام العديد من الرسل والأنبياء، مثل إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ولكن هل سألت نفسك يوما: هل زار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرض مصر يوما؟ قد تكون إجابتك بالنفي ظنا أنه من غير المشهور أن النبي زار مصر، ولكن هل تعلم أن هناك العديد من الآراء التي ترجح أن النبي صلى الله عليه وسلم زار مصر قبل البعثة وبعدها؟
فمتى كانت هذه الزيارات بالتحديد؟ وإلى أين وصل الرسول في أرض مصر؟
الرسول زار مصر مرتان!
يعتقد البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار مصر مرتين، وليس مرة واحدة، الأولى كانت أثناء رحلة الإسراء والمعراج، فبعد أن عرج به إلى السماء، نزل النبي في 5 أماكن، طلب منه جبريل أن يصلي فيها، كانت منهم منطقة طور سيناء، حيث كلم الله سيدنا موسى.
ففي حديث طويل رواه عدد من أصحاب السنن حيث رواه الإمام الطبراني والإمام البيهقي والإمام البزار وصححه الإمام الطبراني في كتابه “دلائل النبوة” من حديث شداد بن أوس (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به مر بأرض ذات نخل، فأمره جبريل عليه السلام أن ينزل من فوق البراق ليصلي، فصلى ثم أخبره أن المكان الذي فيه هو يثرب أو طيبة، وإليها المهاجرة، ثم أمره أن يصلي عندما مر بمدين عند شجرة موسى، وهي التي استظل بها بعد أن سقي الغنم للمرأتين قبل أن يلتقي بأبيهما، كما قال بعض الشراح، ولما مر الركب بطور سيناء أمره أن يصلي أيضا، وذلك حيث كلم الله موسى، وعند المرور ببيت لحم صلي أيضا، وذلك حيث ولد عيسى بن مريم).
** اقرأ أيضا: بالصور والخرائط.. رحلة البحث عن مشهد الرسول ﷺ في مصر
وعن نقل النسائي في سننه، حديث أنس بن مالك، الذي يقول فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل طالبه بأن ينزل من على البراق ويصلي بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام، وتم تأكيد هذه الروايات في كتاب السيرة النبوية لأبي العزائم.
ويؤكد الدكتور محمد الجندي أستاذ الأديان المقارن بجامعة الأزهر هذا الكلام، وقال “طور سيناء كانت أرضا مباركة وأرض الرسالات السماوية، فكانت هذه الأرض على موعد مع التاريخ لاستقبال سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لأنها ضمن أفضل ثلاث بقع طاهرة ومشرفة على الأرض وهي مكة والمدينة وبيت المقدس وطور سيناء وهى التي أشار إليها القرآن الكريم وتحدث عنها المفسرون في قوله تعالى: “والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين”.
وهي نفس وجهة النظر التي يؤكدها المؤرخ حنفي المحلاوي في كتابه “أماكن مشهورة في حياة محمد صلى الله وسلم” حينما ذهب إلى أن الرسول الكريم مر بمصر وزار أرضها التي زارها من قبل الكثير من الأنبياء عليهم السلام.
زيارة قبل البعثة
أما عن الزيارة الثانية، فقد ذهب عالم المصريات الدكتور سيد كريم، لاحتمالية زيارة الرسول الكريم لمصر قبل حادثة الإسراء والمعراج خلال رحلات التجارة التي قام بها قبل البعثة.
وقال سيد كريم في حوار صحفي سابق، إن النبي اتجه في رحلة من رحلات الصيف التجارية إلى زيارة “الأرض التي تغرب عندها الشمس” -يقصد أرض مصر- مؤكدا أن بني عبد مناف أجداد الرسول مصريو الأصل.
ويضيف أن الرسول وصل إلى دير سانت كاترين، حيث التقى مع رهبان الدير الذين اشتكوا له من البدو والأعراب الذين يسرقون ماشيتهم ويدمرون مزارعهم، وكان سبب الشكوى إلى الرسول تحديدا أنهم ظنوا أنه أمير التجار لأنه كان يقود القافلة، ويتابع سيد كريم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعدهم بالتدخل لدى الأعراب والبدو ليطالبهم بالكف عن الاعتداء على الدير ورهبانه.
** اقرأ أيضا: “ذو الخلصة”.. آخر كعبة وثنية ظل يحج إليها العرب حتى عام 1925
ويتابع عالم المصريات حديثه بقوله أن دير سانت كاترين يحتفظ بوثيقة الوعد التي طبع عليها الرسول عليه الصلاة والسلام كف يده الشريفة، وعندما عاد إلى مكة ونزلت عليه الرسالة وعلم كهنة دير سانت كاترين أنه أصبح زعيم العرب أرسلوا إليه الرسالة الشهيرة التي يذكرونه بوعده الذي ختمه بكف يده الشريفة وبالفعل أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم رهبان سانت كاترين بسيناء وثيقة تعتبر علامة بارزة في التسامح والتساهل وحسن المعاشرة.
ويؤيد هذه الرواية الدكتور إكرام لمعي أستاذ الأديان المقارنة بكلية اللاهوت الإنجيلية حيث وضح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الرسالة يقيم في تنقلاته التجارية ناحية سوريا ولبنان ومصر في الأديار وكان يقيم حوارا مع الرهبان وأنه أقام مع رهبان دير سانت كاترين حوارا ناقش معهم أمور دينهم بحكم أنه كان رجلا زاهدا قبل النبوءة، وفى رواية أخرى طلب منه هؤلاء الرهبان العهد، أو ما يعرف بـ”العهدة المحمدية”.
وفي كتاب مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارته الأولى لسيناء أعطى رهبان سانت كاترين وثيقة تنص على رعاية حقوقهم والوفاء لهم بالعهود والمواثيق، أما زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية لأرض سيناء فورد ذكرها في رحلة الإسراء والمعراج عند نزول جبريل عليه السلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأرض سيناء عام 620م.
رفض الفكرة تاريخيا
على الجانب الآخر، تقول بعض الآراء أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بلاد مصر، سواء بحدودها المتعارف عليها قديما، أو بحدودها السياسية في العصر الحاضر، وسواء قبل بعثته صلى الله عليه وسلم أو بعدها.
وتتمسك هذه الآراء بأن زيارات الرسول قبل البعثة اقتصرت على بلاد الشام وليس مصر، استنادا إلى حديث رواه الترمذي، فعن أبي موسى الأشعري قال: “خرج أبو طالب إلى الشام وخرجه معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت”.
** اقرأ أيضا: مقبرة “حواء” أم البشر .. لغز المدفن الذي اختلف حوله المؤرخون
وقد روى الدولابي في “الذرية الطاهرة النبوية”، ابن إسحاق أنه قال: “كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج في مالها ذلك، ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام”.
أما خلال الغزوات التي شهدها الرسول بعد البعثة، فقد كانت أقصى منطقة سافر إليها هي منطقة تبوك على مشارف الشام في السنة التاسعة من الهجرة النبوية.
كما أكد الدكتور هاشم عبدالراضى عيسى أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، أن رواية نزول الرسول لطور سيناء أثناء حادثة الإسراء والمعراج ليست مؤكدة، وأن رحلة الإسراء والمعراج من الرحلات الغيبية التي لا يمكن الاعتماد على ما ورد فيها إلا في الاعتقاد اليقيني الديني في تحديد الزمان والمكان لأن أ] رحلة دنيوية خاضعة لمعايير البشر تتطلب زمانا ومكانا وهذا لم نعهده في رحلة الإسراء والمعراج التي ينبغي أن نؤمن بها كغيب من الغيبيات وعليه يقاس مرائي ومشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة ورحلة المعراج إلى السماء من رؤيته للأنبياء وصلاته بهم.