في مقال نشرته بنت الشاطئ عائشة عبدالرحمن بالأهرام في 22 من أكتوبر سنة 1971، والذي وافق الثاني من رمضان أطلقت عليه عنوان “فريضة مشتركة” قالت فيه إن كل آيات الصيام نزلت في العهد المدني بعد الهجرة، سواء منها ما يتعلق بأحكام فريضة الصيام، وقد بينتها آيات من سورة البقرة، أول سورة نزلت بالمدينة، وما يتعلق بالفدية والكفارات في آيات النساء 92، والمائدة 89، والمجادلة 4، وكلها من السور المدنية.
وتقول إن أكثر ما جاء في الحديث عن أحكام الصيام مما روي عن المصطفي عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة أيضا، إذ يأتي في سياق الخروج للجهاد أو للحج، أو مما روته أمهات المؤمنين عن الرسول، وهن في بيته، وهذا أيضا كان بعد الهجرة.
** اقرأ أيضا: لماذا لا يحسب المسلمون أعمارهم بالتاريخ الهجري؟
وتضيف “بين المبعث والهجرة 13 سنة”، فتتساءل “فهل بقى المسلمون بغير صيام طوال العهد المكي الأول؟”.
الثابت من السنة النبوية، والكلام لبنت الشاطيء في مقالها، أن المسلمين عرفوا الصيام قبل الهجرة، وأن تأخر تشريعه فريضة في شهر رمضان إلى نزول آياته في سورة البقرة، أول العهد المدني، بل إن قريشا فيما مارست من طقوس العبادة كانت تصوم في الجاهلية، بقية من ميراث عهدها القديم بدين إبراهيم الحنيف، ومن هذا صوم يوم عاشوراء، الذي ظل المسلمون يصومونه حتى فرض رمضان.
وتوضح عائشة عبدالرحمن إنه في موطأ الإمام مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت، “كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه”.
وتأخر فرض الصيام وبيان أحكامه إلى العهد المدني لأنه العهد الذي اتجهت فيه عناية القرآن الكريم إلى التشريع والأحكام، بعد أن تقررت أصول العقيدة في العهد المكي الأول، ونص الآية المحكمة “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
** اقرأ أيضا: “عين الكعبة”.. موضع احتضن الحجر الأسود 22 عاما بعد سرقته من مكة
وتؤكد الكاتبة أنه من الثابت أيضا أن فريضة الصيام لم تبدأ بالإسلام، وإنما هي فريضة مشتركة في سائر الشرائع قبله، دون تخصيص لأمة دون غيرها، وهذا العموم يعطي دلالته على أن الصيام أصل من أصول العبادات في الدين على اختلاف رسالاته ورسله، كما هو مرتبط بما صرح به القرآن الكريم من أن الإسلام مصدق لما بين يديه من رسالات، وقد استصفى منها ما هو من جوهر الدين، والدين كله لله، فكان الصيام من ببين الفرائض المشتركة في مختلف الشرائع تقديرا لحاجة البشرية المتدينة إلى فترة رياضة ومجاهدة تتزن بها الحياة الإنسانية، فلا تطفي مطالب الجسد على حاجات الروح، ولا تجوز المادية بضرواتها، على مالا غنى عنه من قيم معنوية.
وتشير بنت الشاطيء إلى أن الإسلام حدد لأمته موسم صيامهم في شهر رمضان، وبين وجه إيثار هذا الشهر دون سائر الشهور القمرية بفريضة الصوم في الإسلام، إعظاما لبركته بنزول أول الوحي فيه “هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”، ورخص بالإفطار فيه لذوي العذر، إذا كان عذرا عارضا من مرض أو سفر، فعلى المفطر القضاء بعد زوال العذر، وأما أن كان العذر قائما والقضاء غير مستطاع، ففدية من طعام مسكين على من يطيقون الصيام.