كيف رأى الغرب قائدا عربيا كصلاح الدين الأيوبي؟ يقول عبد الرحمن عزام في كتابه “صلاح الدين.. وإعادة إحياء المذهب السني” إن الغرب المسيحي كان ضائقا جدا بضياع بيت المقدس، وكانوا بحاجة إلى تفسير منطقي لهذا الحدث، وتطلب الأمر أن يجد الكتّاب المسيحيون، الذين أرخوا لعهود الحروب الصليبية، تبريرا عقلانيا لما حدث، وصلت إلى حد زعمهم باعتناق صلاح الدين الأيوبي الديانة المسيحية قبل وفاته.
الحكايات التي سردها عزام في كتابه تقول إن رسالة وصلت إلى الامبراطور فردريك بربروسا سنة 1187 م من عدد من الأمراء الألمان يخبرونه بما جرى في كارثة حطين، وحكوا له أيضا عن مدى احتقار صلاح الدين للديانة المسيحية، وزعموا في إحدى حكاياتهم أنه استولى على صليب الصلبوت (الصليب المقدس) ورماه في النيران، ولكنه خرج من غير أن يلحقه ضرر أو تلف. طبيعي أن تأتي هذه الحكاية في سياق طلب هؤلاء الأمراء للنجدة من الامبراطور العظيم، الذي أرسل لهم المدد.
** اقرأ أيضا: البحث عن الشكل الحقيقي لصلاح الدين.. قصيدة ومنمنمة ترسمان ملامح مختلفة للسلطان
وزادت كراهية الغرب للسلطان العربي أكثر مما كانت، خصوصا بعدما فرض ملك إنجلترا هنري الثاني ضريبة سماها “ضريبة صلاح الدين” على مشروب البيرة الذي يوليه الإنجليز حبا وشغفا خاصا، لتمويل الحملات الصليبية بعد ذلك.
كان استيلاء العرب على القدس أمرا مخجلا في الغرب، ففي غضون شهر من هذا الانتصار التاريخي، نظمت عدة قصائد، منها لمؤلفين مجهولين، أفرطت في انتقادها اللاذع لصلاح الدين، فقد صورته بأنه استولى على السلطة بشكل غير شرعي عن طريق اغتصاب زوجة سيده، وأنه استولى على مصر بدس السم لسيده نور الدين محمود.
هذه الصورة التي رُسمت لصلاح الدين كانت مغايرة تماما للروايات التي رواها الجنود الصليبيون الذين أسروا لفترة ثم عادوا لبلادهم. فحكوا عن سلوكه الكريم تجاه أعدائه، ولعل هذا الكرم جعل دانتي صاحب “الكوميديا الإلهية” وبعد نحو مائة عام على وفاة صلاح الدين أن يجمعه في أول طبقات الجحيم مع أبطال طروادة وروما. وفي رواية “الدي كاميرون” الشهيرة لكاتب القصة الإيطالي الأشهر بوكاشيو، وجدنا صلاح الدين مجبرا على اقتراض المال من شخص يهودي لأنه أفلس خزانة الدولة بسبب كرمه.
ولكن زعم تحول صلاح الدين للمسيحية هو ما شغل عدد كبير من الكتاب والأشخاص العاديين في أوروبا، لأنه التبرير الأسهل لانتصارات القائد العربي الكبير على الغرب المسيحي. فهناك قصة منسوبة لجان إينكيل صورت صلاح الدين بأنه رقد على فراش الموت عاجزا عن الاختيار بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وفي قصة بعنوان “حكايات منسترال ريمس” كتبت عام 1260 م يتم تصويره وهو أيضا على فراش الموت يطلب ماء ليعمّد به نفسه.
** اقرأ أيضا: “الجزري”.. العالم المسلم مخترع أول روبوت بشري في التاريخ
المؤرخ متى الباريسي في كتابه “تاريخ الإنجليز” يؤكد أن أم صلاح الدين إنجليزية، كما يزعم مؤرخ إنجليزي آخر أن هنري التوروني أحد أمراء إنجلترا منح صلاح الدين لقب الفارس المسيحي حين تقابل الرجلان في الإسكندرية. كما أن هناك قصص أوروبية أخرى استمرت حتى منتصف القرن الماضي تزعم بأن صلاح الدين كان شغوفا بمعرفة أسلوب الحياة المسيحية، فضلا عن رواية تحكي قصة وقوع ملكة فرنسا في حبه.
إهمال المسلمين لقبر صلاح الدين بعد وفاته، وعناية القيصر وليم الثاني به، ووضع شعاره على مصباح معلق على القبر، كان أحد الحجج التي حاول الغرب الأوربي استخدامها لتأكيد فكرة تحول القائد العربي الكبير للمسيحية، وكراهية المسلمين له في أواخر أيامه.
صلاح الدين مثلا لم يقابل ريتشارد قلب الأسد، هذه هي الحقيقة، إنما الحكايات الشعبية تقول إنهما تقابلا ووقفا إلى جوار بعضهما يستعرضان قوتهما، فيضرب ريتشارد قضيبا حديديا بسيفه، فيقسمه نصفين، أما صلاح الدين فيقسم هو الآخر وشاحا حريريا بسيفه في هدوء وتركيز، أما في فيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج الراحل يوسف شاهين، فتقابلا واختلفا، بل عالج القائد العربي نظيره الإنجليزي بعد أن ذهب إلى خيمته سرا وسط جنوده.