كان القرن الـ19 عصر الانبهار بالحضارة المصرية في شتى أنحاء العالم، وخصوصاً أوروبا، فبعد حملة نابليون بونابرت على مصر (1798 – 1801)، وعلى رغم فشلها في احتلال المنطقة سياسياً، إلا أنها نجحت في توثيق ماضيها وثقافتها المعاصرة وتاريخها الطبيعي.
وكان كتاب المصور “فيفانت دينون”، أحد العلماء الأثريين المرافقين لجيش نابليون، هو أول كتاب يتضمن معلومات ورسومات مفصلة جداً عن مصر وتراثها المعماري والإنساني والنباتي والحيواني والجغرافي عبر آلاف السنين، وحقق الكتاب انتشارا واسعاً وأعيدت طباعته وترجمته لأكثر من مرة.
اقرأ أيضا: ابن وحشية.. عالم عربي فك طلاسم الهيروغليفية قبل شامبليون
لكن الباحثين أثبتوا فيما بعد أن الرومان قديماً اهتموا أيضاً بجمع كل ما يخص العلوم المصرية كالطب والفلك، ووضعوها تحت الاختبار والبحث والتطوير، ما ينفي القول بأن الحملة الفرنسية أول من عرّف العالم بتاريخ مصر القديم.
اكتشاف أمريكا اللاتينية
وعلى رغم أن اكتشاف أمريكا اللاتينية مسجل باسم كريستوفر كولومبوس في العام 1492، إلا أن بعض الترجيحات تشير إلى وصول الفراعنة إلى أراضي أمريكا والمكسيك قبل كولومبوس، بل في عصور ما قبل الميلاد.
ففي العام 1813، نشر “ألكسندر فون هومبولت” عالم الطبيعة والمستكشف الألماني، كتاباً ضخماً بعنوان “مشاهد من كورديليراس ومعالم الشعوب الأصلية في الأمريكتين”، يصف فيه كل ما رآه خلال ترحاله في أمريكا الوسطى والجنوبية، وتضمن الكتاب جزءاً مفصلاً عن أحد تماثيل حضارة الأزتك – من الشعوب الأصلية في الأمريكتين – ويسمي بتمثال “دوبايكس”.
اقرأ أيضا: أواني سقارة المحيرة.. كيف صنعها المصريون القدماء؟
ووصف “هومبولت” ملامح التمثال وتصميمه، وكأنه يربطه بأشكال معمارية وتصميمية معروفة لدى الثقافات القديمة، وخصوصاً تلك الوجوه المنحوتة على قمم الأعمدة في معبد “حتحور” في مدينة دندرة المصرية، حتى أنه قارن شعر التمثال المجدول بصور الإله المصري إيزيس.
هكذا فكر “ألكسندر فون هومبولت”، الذي سافر عبر جبال وغابات الأمريكتين، في تشابه تمثال الأزتك ببقايا معبد حتحور الذي يبعد آلاف الأميال عنه. وهذا ما أثار اهتمام الباحث الأمريكي “بيتر لويس بونفيتو”، وهو من أهم الباحثين في معهد جيتي للبحوث بلوس أنجلوس في كاليفورنيا، ما دفعه لتقديم بحث مطول عن هذا التشابه، واعتمد فيه على كتب المستكشفين القدامي، وعلى رأسهم كتاب “ألكسندر فون هومبولت”.
أبحاث حول تشابه الحضارات
ظهرت العديد من المقالات في قسم الرحلات الاستكشافية بمعهد جيتي للبحوث، تحاكي ما كتبه “هومبولت” حول تماثيل الأزتك، وأبرزت مقارنة بين آثار يوكاتان الشهيرة الموجودة في مدينة تشيتشن إيتزا مع الأهرامات المصرية، ما جعل بعض المؤلفين يقترحون فكرة أنه في الماضي البعيد، بنى المصريون القدماء هذه المدن في أمريكا الوسطى.
وفي العام 1995، تحمس بعض العلماء إلى إثبات وصول الفراعنة إلى الأراضي الأمريكية، منها ما عرضه الدكتور “تومبسون جينز” بمجلة “انشنت أمريكا”، كاشفاً عن وجود مواقع بها تماثيل وكتابات فرعونية في أمريكا الوسطى، نافيا بذلك الاعتقاد السائد بعدم تجاوز رحلات الفراعنة لنهر النيل.
اقرأ أيضا: خنجر توت عنخ آمون.. أثر مصري جاء من كوكب آخر!
ووفقاً للمنشور بالمجلة، فقد تم الربط بين الأساطير المشتركة بين الفراعنة وهنود المكسيك وبيرو حيث كتب نصاً “حتى اليوم يضع هنود بيرو تمثالاً لآلهة الشمس في مقدمة قواربهم كما كان يفعل الفراعنة، كما توجد في معابد الأنكا في بيرو رسومات تُظهر قوارب مصنوعة من البردي، وهو ورق ينبت حول النيل، يقودها بحارة بزي الفراعنة”، كما زعم الباحث أنه اكتشف آثاراً للتبغ والكوكايين في بعض المومياوات المصرية، وهي نباتات كانت تنمو فقط في الأمريكتين.
مكتشفات فرعونية على الأراضي اللاتينية
في 1914 اكتُشف تمثالان فرعونيان في بلدة أكيجالتا المكسيكية، يتطابقان مع النموذج الفرعوني في الملامح وطريقة الجلوس ولبس العمامة، وكان هذا الاكتشاف أول ما لفت الانتباه إلى احتمال وصول الفراعنة إلى القارة الأمريكية قبل آلاف السنين.
وأوضح العلماء مظاهر الشبه بين الحضارتين بأنها وصلت لاستخدام نفس طرق نحت الأسطح الحجرية المُستخدمة في العمليات الإنشائية وحتى في أشكال النتوءات والبروزات، كما قامت الحضارتان بتشييد المسلّات والتي اعتبروها رمزا للقوة، كذلك شيدوا معابد ذات خصائص مقاومة للهزات الأرضية، من خلال تصميم معماري متماثل يقوم على جدران مائلة نحو الداخل، تشابه في هيئتها جذع الهرم، وهذا التصميم أعطي متانة وصلابة للمعبد والدليل على ذلك صمود تلك المعابد في وجه العوامل الزمنية حتى الآن، كما أنهم استخداموا تقنية واحدة تقوم على ربط الحجارة المصقولة بشكل محكم وذلك باستخدام مشابك معدنية تعمل على توصيل هذه الحجارة جنباً إلى جنب.
اقرأ أيضا: التجربة اليابانية.. عندما حاول 24 عالما بناء هرم جديد في الجيزة عام 1978
ويُذكر أن “بيرى فيل” الأستاذ في جامعة “هارفارد” أعلن في السنوات الأخيرة عن نظرية جديدة حول “الانتشار الحضاري والجنسي لمصر في المحيط الهادي والعالم الجديد”، وعلى رغم أن نظرية “فيل” تبدو للبعض أنها محض أسطورة ولا تستند مع حقائق الأنثروبولوجيا الطبيعية، إلا أنها نظرية حظت باهتمام العديد من العلماء، حيث انتهت إلى أن سكان نيوزيلندا الأصليين هم سلالة منقولة بالكامل من نسل المصريين القدماء، إذ يرجع ذلك لاستقرار البعثة البحرية المصرية التي أرسلها بطليموس الثالث لكشف المجاهل المجاورة، ليثبت بذلك المعتقد السائد حول عبور الفراعنة المحيط إلى الأمريكتين قبل الميلاد بعد تراكم أدلة كثيرة على التشابه بين الحضارتين.