لاشك أن الراحل أحمد فؤاد نجم هو واحد من أبرز ما أنجبتهم شعر العامية المصرية. يعرفه الكثيرون بالفاجومي (اللي قلبه على لسانه)، فيظهر ذلك في شعره السياسي كما يظهر أيضا في اللقاءات التليفزيونية الذي ظهر فيها. لكن الكثير ربما لا يعرف أنه كتب القصة القصيرة. في جريدة الجمهورية سنة 1962 تقرير متوسط الحجم كانت تتنبأ بموهبة عظيمة اسمها أحمد فؤاد نجم.
يقول التقرير الذي أخذ عنوان “السجين الذي استضافه سجانه هو صاحب كتاب صور من الحياة” إن عالم الكتاب في مصر سيستقبل الكتاب الفائز في مسابقة مشروع الكتاب الأول التي نظمها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وهو الكتاب الذي يحتوي على مجموعة قصص بعنوان صور من الحياة، ويؤكد كاتب التقرير إن أروع قصة يمكن أن تروى في هذا المجال هي قصة الكتاب وصاحبه.
ويضيف “ولد الكتاب في حجرة مظلمة رطبة تغوص وراء القضبان في سجن مصر، لم تكن أصوله أوراقا أو قصاصات أو مجلدات، وإنما كانت جدران الزنزانة التي أمضى فيها أحمد فؤاد نجم 3 أعوام من حياته وسجل عليها تجاربه وتأملاته وذكرياته. دخل السجن وهو يعمل بمصلحة الطرق والكباري بعد أن اضطرته ظروفه إلى الاختلاس، وفي السجن رافقه الألم والحرمان والوحدة فتفجرت الطاقة الكامنة داخل أعماقه”.
ويتابع التقرير – الذي لم يوقع باسم أحد – أن مرتب نجم الصغير لم يكن يكفيه، فبدأ في البحث عن طريق يحصل به على المال ولم يطل بحثه لقد عرض عليه أحد زملائه أن يشترك معه في مشروع يدر عليه مئات الجنيهات، وكان هذا المشروع هو تزوير استمارات صرف الأقمشة للموظفين، وبعد أسبوع واحد انكشفت العملية وأفاق ليجد نفسه داخل زنزانته المظلمة في سجن مصر ليقضى بها ثلاث سنوات”.
يقول كاتب التقرير إن المسؤولين في السجن اكتشفوا موهبة نجم فاحتضنه مدير السجن وبدأ يساعده على صقل موهبته، فسمح له بدخول الأوراق وأصدر أوامره بعدم إغلاق باب زنزاته والسماح له بالتجول فيه، ثم جعله مشرفا على مكتبة السجن، وفي تلك الفترة استطاع أن يشترك في المسابقة التي نظمها المجلس الأعلى للفنون والآداب بكتابه “صور من الحياة” وكانت المفاجأة أن يفوز هذا الكتاب بالمسابقة ويقرر المجلس أن يقوم بنشره على نفقته، بل وعهد للدكتورة سهير القلماوي أن تضع له مقدمة.
الغريب والمضحك في التقرير جاء في خاتمته حيث يقول الراحل نجم نفسه إن كل ما يطلبه هو عمل شريف يحميه من الانزلاق إلى الجريمة، مضيفاً “لست أنكر أن لي مواهب في الإجرام لا أريد أن تشدني إلى الجريمة مرة ثانية”.