هل سألت نفسك عزيزي القاريء لماذا تستخدم الكلمة المفرد “فرعون” كدلالة سيئة عن الشخص الباطش القوي العنيد، الذي يستغل قوته في بسط نفوذه أكثر وأكثر، بينما تستخدم الكلمة الجمع “فراعنة” كدلالة على الأصل الراسخ القوي لأبناء الحضارة المصرية؟.
الكلمتان من نفس الأصل “فرعن”. فـ”المعجم الوسيط” الصادر عن مجمع اللغة العربية يذكر أن الـ”فرعنة” هي التجبُّر والتكبُّر، و”فرعن فلاناً” أي مكَّنه أن يتجبَّر ويطغى. ويذكر كذلك أن “تفرعن النبات” تعني طال وقوي واشتد.
و”فرعون”، في ذات المعجم، هو لقب ملك مصر في التاريخ القديم، وأصله بالمصرية “يرعو” بغير نون، ومعناه البيت العظيم، ولكن واضعي المعجم يلحقون هذا التعريف بتأكيد أن “الفرعون لقب كل عاتٍ”!.
ما الفرق بين الفرعون والفراعنة؟
ولكن هل هذه نظرة لغوية سوية، تجعل الكلمة المفرد “فرعون” ذات دلالة سيئة، بينما الكلمة الجمع “فراعنة” ذات دلالة جيدة؟
الترجيح أن القرآن العظيم وتفاسيره، لها يد في هذا الأمر. حيث ذُكر لفظ “فرعون” المفرد فيه 74 مرة، كلها ذات دلالة سيئة، بينما لم يذكر كتاب الله اللفظ الجمع “فراعنة” ولا مرة.
الطبري مثلاً يفسر قوله تعالي في سورة آل عمران: “كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11)” بأن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسنة آل فرعون وعادتهم، الذين كذبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا حين جاءهم بأسنا، كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل آل فرعون: من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.
هنا الطبري يذكرها صراحة أن فرعون وآله (حاشيته) كانوا يكذبون بآيات الله، وفي المرات الـ74 التي ذكر فيها اسم “فرعون” في القرآن، إما كانت تتحدث عن قصة سيدنا موسى (عليه السلام)، أو للتدليل على فرعون كنموذج للطغيان والتكبر، هو آله.
الباحث الأثري أحمد نورالدين قال في حوار سابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إن هناك العديد من الأدلة فى القرآن الكريم والآثار التاريخية التى تؤكد أن كلمة “فرعون” في الحضارة المصرية القديمة هي اسم شخص بعينه وليس لقباً.
وأرجع نور الدين حدوث هذا الخلط فى اعتقاد البعض بأن “فرعون” لقب الحاكم في مصر القديمة، إلى العادة في إطلاق الألقاب على ملوك العالم القديم، فعلى سبيل المثال يطلق على ملوك الفرس لقب “كسرى”، على الرغم أن من تسمى بذلك هو ملك من ملوكهم، ثم اعتادوا بعد ذلك على تسمية كل ملك لفارس بـ”كسرى”، كذلك “قيصر” في الحضارة الرومانية.
وعطفاً على كلام نور الدين، فإنه بمراجعة مرات ذكر اسم “فرعون” في معجم ألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبدالباقي، وجد أن الآيات التي كانت تروي قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) في مصر، لم يطلق على حاكمها لقب “فرعون” بل “ملك”.
اسم فرعون ليس مصريا.. وبالتالي الفراعنة!
ويرجح الباحث التاريخي علاء عزت في كتابه “فرعون موسى من قوم موسى” إن لفظ فرعون ليس مصرياً، بل أتى مع الهكسوس كاسم علم من أعلامهم، ومنذ هذا الوقت عرفنا هذا المصطلح، وخصوصا أن هذا الاسم لا ينسجم مع ما هو معروف من مسميات وألقاب ملوك وادي النيل، ومجرد استخدامه يثير النشاز وسط سلسلة من أسماء ملوك متناغمة الواقع والسمات.
ربما ما قاله عزت في ترجيحه يفسر الدلالة السيئة للفظ “فرعون”، التي استمرت مع المصريين من قديم الأزل، خصوصا أن المصريين لم يكونوا يحبون الهكسوس، الذي هم في الأساس قوم من أعراب وبدو آسيا حكموا مصر أكثر من قرنين من الزمان.
العهد القديم
العهد القديم “التوراة” يؤكد وجهة نظر دخول كلمة “فرعون” مع العبرانيين، فسفر الملوك الثاني (23: 29) ينص أن “في أيامه صعد فرعون نخو ملك مصر على ملك أشور إلى نهر الفرات. فصعد الملك يوشيا للقائه، فقتله في مجدو حين رآه”.
كما ينص سفر إرميا (44: 30) أن “هكذا قال الرب: هأنذا أدفع فرعون حفرع ملك مصر ليد أعدائه وليد طالبي نفسه، كما دفعت صدقيا ملك يهوذا ليد نبوخذراصر ملك بابل عدوه وطالب نفسه”.
وعلى هذا فإن العهد القديم أطلق لفظ فرعون على ملوك مصر، لاسيما الذين شهدوا الهجرات المتواصلة للعبرانيين إلى مصر. كتاب “العماليق.. هل هم الهكسوس؟” لديبي هورن يذكر أنه في عصر الدولة الفرعونية الحديثة (1550- 1070ق.م.) استخدم لقب “فرعون” بوضوح للدلالة على شخص الملك نفسه، على الأقل في الوثائق المكتوبة.
لقد كان لملوك مصر أسماء شخصية (مثل أمينوفيس ورمسيس وتحتمس وغيرها)، باعتبار أن الملك ابناً للإله “رع” مسبوقاً بأربعة ألقاب، مثل “ملك مصر العليا والسفلى”، ثم يأتي الاسم الشخصي. وكان اللقب الأكثر شيوعاً في الوثائق والأحاديث اليومية، هو “فرعون”، فمثلاً كتب عمال طيبة الغربية إلى “فرعون سيدنا الصالح”، وهكذا.
ونجد أسفار العهد القديم، حتى زمن سليمان، تتبع هذه العادة الشعبية، فتستخدم اللقب “فرعون” مشفوعاً عادة بالعبارة العبرية “ملك مصر”. ونجد هذا واضحاً في ذكر العهد القديم لأسماء ملوك مصر في الألف الأخيرة قبل الميلاد، مثل: “فرعون نخو” (2مل 23: 29، إرميا 46: 2..) “وفرعون حفرع” (إرميا 44: 30).