قراءة الفنجان كانت سائدة للغاية في البيوت المصرية قديمًا، حيث كان الأب والأم في العادة يهتمان باستجلاب قارئة فنجان متخصصة محترفة، لمعرفة المستقبل، وذلك بهدف الاطمئنان لأمر على وشك الحدوث فعلاً، كنجاح الأبناء أو زواج أحدهم، أو انتظار عمل أو مال، وكذلك الحذر مما يحمل شرورًا أو مخاطر.

في الخمسينات كانت الحاجة ليلى هي أشهر قارئة فنجان في بر مصر، حيث أفردت لها الصحف والمجلات عدداً من الحوارات والمغامرات التي خاضها أهل الصحافة، ومن بين تلك المغامرات، تجربة قدمتها مجلة “الاتنين والدنيا” في عدد 23 يونيو 1952 بالتعاون مع أحد محرريها، الذي قابل بالفعل الحاجة ليلى، حيث قرأت له الفنجان، ثم دوّن ما قالته له، لينتظر تحقيق نبؤاتها في الأيام التالية، وهي التي حملت مفاجآت عديدة.

محرر المجلة وصف الحاجة ليلى قائلاً “ذهبت إلى دار الحاجة ليلى، وإذا بي أمام سيدة حسناء في شرخ الشباب، لا عيبًا فيها إلا أنها في حجم سيارة الثورنيكرفت ()، ولا يقل وزنها عن 130 كيلوجرامًا، ومن الغريب أنها تقرأ الفنجان مجانًا إشباعًا لهوايتها، فلا تتقاضى أجرًا ولا تتطلع إلى مكافأة”.

أشارت الحاجة ليلى على محرر المجلة بضرورة حصر أفكاره في المسألة التي تشغل باله أكثر من غيرها، حتى تنطبع آثارها في الفنجان. فكر الرجل في جمع مال يمكنه من القيام برحله إلى الخارج، لتمسك الحاجة ليلى بالفنجان بعد أن شرب المحرر القهوة منه، فأخذت تديره في يدها وتقرأ في إسهاب وإيضاح، وأجملت ما تنبأت به السيدة في 10 نبوءات، ستتحقق خلال أسبوعين لا أكثر.

دوّن المحرر نبوءات الحاجة ليلى، ليراقبها خلال الأسبوعين، قائلاً في تجربته “عزمت عى مراقبة تحقيق نبؤاتها حتى استوثق من أن الله يضع سره أحيانًا في أتخن خلقه”.

المحرر يؤكد أن ما قالته الحاجة ليلى تحقق بالفعل، ولكن على وجه آخر غير الوجه المطلوب، مثلاً تنبأت له أنه سيقابل بعد يومين رجلاً كريمًا سخيًا سيناله من كرمه وسخائه الكثير، وستنتهي المقابلة بمفاجأة سارة، حيث أكد المحرر في تجربته أنه بالفعل قابل رجلاً معرفته به بسيطة، فحياه بحرارة ودعاه إلى تناول الطعام في أحد المطاعم القريبة من اللقاء، وأسرف في كرمه ليطلب أشهى المأكولات والسجائر، ثم صار الرجل “فص ملح وداب”، فاضطر المحرر لدفع حساب المطعم الذي وصل آنذاك، وحسب المحرر، إلى ثلاثة جنيهات.

نبوءة أخرى، حيث قالت له الحاجة ليلى أن قدمه ستأتي في ورطة، ولكنه سيخرج منها بنتيجة مفرحة، وبالفعل جاءت قدم الرجل في حذاء غالي الثمن، ولكنه لم يلتفت أنه ضيق، فأصابه بإصابات فتصدق به لأحدهم، إذ كانت النتيجة مفرحة بالفعل لمن كان نصيبه هذا الحذاء، كما يقول.

تنبأت الحاجة ليلى برحيل صديق للمحرر وسيترك وصية مفرحة له، وقد تحقق القسم الأول من النبوءة فعلاً، حيث مات صديق قديم له، لكنه ترك وصيته بأن يقوم هو برعاية أمور فض مشاكل المجلس الحسبي وشؤون الوراثة والإعلامات الشرعية بين زوجته وأطفاله الخمسة.

“ستعبر بحرًا في سفر، وتتعرض للغرق، وتكتب لك السلامة على يد فتاة حسناء”، كانت نبوءة أخرى للحاجة ليلى، ويقول المحرر أن أركان مشهد النبوءة تحقق، ولكن بشكل آخر، حيث غرق الشارع أمام دار الهلال (التي كانت تصدر عنها مجلة الاتنين والدنيا)، بسبب ماسورة مكسورة، فكانت المياه أشبه بالبحر متلاطم الأمواج، وعندما حاول المحرر أن يعبر، لكن الغرق أو بالأحرى التعثر أصابه فعلاً، ولكن من أنقذه كان سواق “عربية كارو”.

ويسخر المحرر من نبوءة الحاجة ليلى تلك فيقول “واعترافاً بالحق، أقول أنني لمحت فتاة حسناء كانت تقف خلف إحدى النوافذ وهي تغرق في الضحك ساخرة مني وأنا استقبل عربة الكارو التي أنقذتني من التعثر”.

قالت الحاجة ليلى كذلك إنه سيستقبل خطابًا رقيقًا من صديقة قديمة، وحدث بالفعل أن استقبل خطابًا ولكنه لم يكن رقيقًا، بل كان شديد اللهجة من “مصلحة التليفونات”، مفاده إما الدفع أو إنهاء خدمة التليفون، ما أدراك ما خدمة التليفون في الخمسينات.

كذلك تنبأت الحاجة ليلى له بأنه سيتعرف على فتاة حسناء، وقد حدث ذلك، كما تنبأت له بأنه سيتعانق مع شخص في الطريق العام، فيعقب المحرر قائلاً “كاد تفسير هذه النبوءة أن يقضي على حياتي. أثناء سيري في الطريق اندفعت نحوي عربة نقل يجرها حمار فصدمني صدمة شديدة، واضطررت أن أعانق الحمار وأتشبث به لأتفادى سقوطي”.