تتسبب الدول العربية بنحو 5 في المائة فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في حين تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الدول الصناعية الكبرى في الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة الذي يتأثر به العالم أجمع. وتنعقد قمة المناخ في غلاسكو باسكتلندا مطلع الشهر القادم (نوفمبر) من أجل تحقيق العدالة المناخية والخروج بقرارات تساعد مختلف دول العالم في الحد من تأثير التغير المناخي والتكيف معه.
وهناك العديد من القضايا المُلحة التي نحتاج إلى طرحها على طاولة المناقشات والخروج بتوصيات عاجلة بشأنها للتعامل مع التهديدات الخطيرة التي تواجه المنطقة العربية في السنوات الأخيرة كالتصحر وندرة المياه وفقدان الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.
ملف المياه
يقول خالد سليماني صحفي وباحث عراقي متخصص في شؤون المياه ومؤلف كتاب “حراس المياه” إن معظم الدول العربية تعاني من موجات جفاف شديدة تركت آثارا واضحة على الزراعة والأراضي ومصادر المياه والحياة العامة، وأشار إلى أنه في عام 2015، قام معهد الموارد العالمية بتجميع قائمة تضم 33 دولة تواجه ندرة حقيقية في المياه في العقود القادمة جاء من بينهم سبعة عشر دول عربية.
كما أشار تقرير صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في أغسطس الماضي إلى أن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق لا يحصلون على الماء والغذاء والكهرباء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات الأمطار والجفاف.
بالمثل حذر تقرير “تأثير تغير المناخ على الدول العربية” الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية، من وصول الوضع الحرج الذي تعيشه عدد من الدول العربية فيما يخص ندرة المياه إلى مستويات حادة عام 2025، وحذر التقرير أن “الهلال الخصيب” الذي يمتد من العراق وسوريا إلى لبنان والأردن سيفقد كل صفات الخصوبة، وقد يختفي قبل نهاية القرن الحالي بسبب تدهور إمدادات المياه من الأنهار الرئيسية.
كما حذر سليماني من أن البلدان العربية ذات الحدود البحرية الكبيرة سوف تتأثر بشكل أكبر بارتفاع مستوى سطح البحر بحوالي متر في العقود الثمانية القادمة وفقا للدراسات لافتا إلى أنه في العديد من هذه البلدان ، يتركز السكان على طول الساحل دون تدخل كبير لتأمين المساكن الساحلية والبنية التحتية ، مضيفا “ارتفاع مستوى سطح البحر في هذه البلدان سيؤدي بالضرورة إلى نزوح الملايين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
ويضيف سليماني أن جهود العالم كله تتركز حاليا على تجنب ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين وتنفيذ كافة الإجراءات الهادفة للحد من الكربون خلال العشر سنوات القادمة وتمديدها لتصل إلى صفر كربون عام 2050 بما يجنب العالم المزيد من ارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف الشديدة والحرائق والأعصاير وانتشار الأوبئة والأمراض.
ويرى سليماني أن المنطقة العربية بحاجة للتنسيق الإقليمي وعمل قمة مناخ عربية في أعقاب القمة العالمية التي ستنعقد في غلاسكو قائلا “يمكن للدول الفردية أن تضع سياسياتها الخاصة وهذا سيساعد ولكن التنسيق الإقليمي هو الحل الأكثر أهمية والمنطقة العربية بحاجة ملحة لوضع سياسات بيئة وطنية وإقليمية مستدامة”، مضيفا “لا وقت للندم أو التفكير في الضرر الحاصل إلا لغرض التعلم منه بسرعة”.
وتتفق دكتورة سوسن العوضي أخصائية علوم البيئة المصرية ورئيسة مشروع نجمة الهادف لدعم الاقتصاد الأخضر مع سليماني في أهمية وأولوية مناقشة ملف المياه خلال قمة المناخ العالمية، قائلة :”نحتاج للوصول إلى اتفاقيات دولية تحمي مواردنا المائية بحيث لا يحدث نقص في الموارد المائية مما يؤثر بدوره على الزراعة والغداء”.
وأضافت أنه لابد من الوصول لآلية لفرض العقوبات على الدول التي تخالف الاتفاقيات الخاصة بالحد من انبعاثات الكربون ويكون هناك آلية واضحة للمقاضاة وطلب التعويضات.
وأشارت إلى أن ترشيح مصر لاستضافة قمة المناخ التالية في مدينة شرم الشيخ ونجاحها في الحصول على هذه الاستضافة سيعود بالخير على مصر وكل المنطقة العربية، وسيشكل حافزا كبيرا على مدار العام للتخطيط لمزيد من المشاريع الخضراء التي تساعد مصر في طريقها للتعافي الأخضر بما يعطي انطباعا جيدا عن رؤية مصر وطريقها للتنمية.
وأضافت أن مدينة شرم الشيخ بشكل خاص تحتاج لأن تعكس الاستدامة موضحة “المدينة التي ستستضيف المؤتمر تحتاج لأن تكون مدينة خضراء لا تنتج سياراتها العوادم أو يستخدم فيها البلاستيك بشكل كبير وغيرها من مظاهر الاستدامة”.
ويقول جمال النوايسة الناشط البيئي والباحث في شؤون تغير المناخ إنه لابد من استغلال هذا الحدث العالمي للضغط على العديد من الدول لتسريع عميلة الحد من انبعاثات الكربون وإلقاء الضوء على مخرجات المؤتمرات السابقة والخروج بتوصيات من شأنها تطبيق ما تم من توصيات بالمؤتمرات السابقة والبحث في معوقات عملية مواجهة التغير المناخي.
وأضاف أننا بحاجة لمناقشة ملف سد النهضة خلال القمة وما يترتب عليه من آثار بيئية ومناخية على مصر والسودان وحوض النيل بشكل عام.
وأضاف أن استضافة مصر للقمة المناخية القادمة من شأنه أن يضعها في مكان بارز على خارطة جهود الحد من التغير المناخي وقد يساعد مصر في الحصول على دعم دولي مالي من أجل الاستمرار في جهودها للتكيف مع التغير المناخي وتطوير سبل وإجراءات التخفيف وهو ما سيعود بالخير ليس على مصر وحدها ولكن أيضا دول حوض النيل وشمال إفريقيا وشرق المتوسط.
إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة
وقال دكتور أحمد الشريدة الخبير الأردني ورئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة إن المنطقة العربية لا تنتج الكثير من غازات الدفيئة لأن أغلبها اقتصاديات ناشئة ولا يوجد فيها صناعات ثقيلة مضيفا أن نسبة التلوث الناتج من العالم العربي ضئيلة جدا لا تقدر بالتلوث الناتج عن دول مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي أو الصين أو البرازيل وعليه لابد من إعادة النظر في الاتفاقيات المناخية التي عقدت سابقا بما يحقق العدالة المناخية والتوزان ويزيد من الاعتماد على الاقتصاد الأخضر”.
وتابع: “على الدول الصناعية الكبرى أن تتحمل مسؤوليتها المتناسبة مع حجم الضرر الذي أحدثته وتساعد دول العالم النامية والأقل إسهاما في التغير المناخي في اتخاذ التدابير اللازمة للتكيف معه والحد من تأثيراته المدمرة عبر تقديم الدعم والمساعدات المادية والتقنية لتخفيف تأثير الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة في هذه الدول”.
وأظهرت السجلات أن 5 دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت صاحبة أعلى معدلات درجات حرارة مرتفعة في عام 2010 وهي الكويت (52.6 درجة مئوية) والعراق (52.0 درجة مئوية) والسعودية (52.0 درجة مئوية) وقطر (50.4 درجة مئوية) والسودان (49.7 درجة مئوية)، وفق دراسة بعنوان “إدارة الموارد المائية .. وجهات نظر وتوقعات”.
ويضع العالم بأكمله أمالا عريضة على القمة المنتظرة في الوصول إلى قرارات من شأنها إنقاذ العالم وتحقيق العدالة المناخية.