كتبت – أروى أحمد عاصم وسلمى نصر الدين محمد

كم يكلف بنطال من الجينز؟ ربما يتراوح بين المائتين والثلاثمئة، المحظوظون أو المجتهدون ربما يجدونه بأثمان أقل، لكن ما هو ثمنه الفعلي؟

عند البعض هو عدد من الأوراق النقدية الملونة، وعند البعض الآخر هو كمية الماء التي قد يحتاج إليها شخص في عام كامل!

أضرار بالجملة

تستهلك صناعة الملابس كمية من المياه تكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص سنويا، في الوقت الذي يتسبب نقص المياه النظيفة في وفاة أكثر من مليون ونصف طفل سنويا وفقا لليونيسف.

لا تقتصر عواقب صناعة الملابس على كم المياه المستهلكة، إذ تتسبب صناعة الأزياء والأحذية في العالم في 8% من انبعاثات غازات الدفيئة المتسببة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وفقا لتقرير “قياس الأزياء” الصادر عام 2018.

ولا يقتصر تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على ارتفاع درجات الحرارة فهو يمتد إلى المحاصيل الزراعية، والتأثير على أنواعها وجودتها، كما ينتج عنها اندلاع حرائق الغابات، وتمتد تلك التأثيرات إلى الإضرار بصحة البشر.

هل نحتاح مزيد من الملابس؟

لا يحتمل العالم المزيد من تلك التأثيرات، فهل هناك حاجة حقيقية لمزيد من الملابس؟

تضاعف إنتاج الملابس بين عامي 2000 و 2015 وللأسف فإن مصير هذا الإنتاج ليس خزانات الملابس، بل مقالب النفايات؛ ففي كل ثانية يتم طمر أو حرق كم من الملابس يعادل شاحنة نفايات وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “إيلين ماكارثر” التي تعمل على تعزيز الاستدامة.

الموضة السريعة في مقابل المستدامة

وتعرف طريقة الإنتاج الذي يهدف لمضاعفة إنتاج الملابس- مهما كان الثمن- بالموضة السريعة، التي تعتبر السبب وراء انتشار صيحات موضة جديدة لفترات قصيرة ثم أفولها، وتهدف أيضا لزيادة استهلاكية الأفراد، ودفعهم لشراء ملابس جديدة بغض النظر عن حاجتهم لها، وهي صناعة سيئة السمعة فيما يتعلق بظروف العمل، وأجور العاملين، حيث تعتمد صناعة الملابس على الأيدي العاملة الزهيدة في دول العالم الثالث دون توفير بيئة عمل صحية.

وفي المقابل يحاول المهتمون بالبيئة استبدال تلك الموضة بالموضة المستدامة التي تشمل خيارات أكثر صداقة للبيئة، وترتكز بشكل أساسي على صناعة ملابس مستدامة تراعي الاعتبارات البيئية، ولا تقتصر فقط على صنع ملابس من أنسجة طبيعية مصدرها القطن أو الكتان، بل تشمل عملية صناعة صديقة للبيئة، وتحسين ظروف العمال، أما عن قطعة الملابس نفسها فتصل للحفاظ على قطعة الملابس بطرق تضمن استعمالها لأطول فترة ممكنة، مع الحد من استهلاكية البشر للملابس، وأيضا استبدال شراء الملابس الجديدة بشراء الملابس المستعملة..

صيحة الملابس المستعملة

كان فيلم “The True Cost” هو نقطة التحول في حياة اليوتيوبر والناشطة في مجال الموضة المستدامة نوران البنان، يناقش الفيلم تأثير الموضة السريعة على الكوكب والبشر وكان بمثابة جرس إنذار جعل نوران تتوقف عن شراء أي منتج تابع لشركات الموضة السريعة، ساهم في قراراها الأصدقاء الذين نصحوها بالتسوق من “الوكالة” السوق المصري الشهير لبيع الملابس المستعملة أو “البالة” بأسعار مخفضة.

كان هذا في وقت بدأت فيه نوران بالعمل مع ماركة للملابس المغزولة والمطرزة يدويا، لتبدأ رحلتها ليس فقط مع الموضة المستدامة كنمط حياة، لكن بنشر الوعي البيئي أيضا عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي وقناتها على اليوتيوب.

وتقول نوران البنان “الدافع وراء اهتمامي بالموضة المستدامة نابع من عدم تشجيع ماركات الموضة السريعة التي تضر البيئة، وتجبر العمال على ظروف عمل صعبة بأجور زهيدة، فضلا عن سوء منتجاتها” كما تحب نوران التميز الذي يمنحه لها شراء الملابس المستعملة مضيفة”لا أحد يرتدي مثلي، وكل قطعة متفردة”.

كما تعبتر أن رحلة البحث عن القطعة المناسبة بمثابة البحث عن كنز، وبرغم عدم استيعاب الكثيرين لفكرة الملابس المستعملة تهدف نوران لتشجيع عدد أكبر على تقبل الفكرة قائلة “هدفي تشجيع الناس على شراء المنتجات المصرية، والثياب المستعملة، ومحاولة إلغاء الأحكام الطبقية على الأشخاص بسعر ملابسهم وماركاتها، أيضا أحاول نشر الجمال والفن، وصنع محتوى هادف”.

وتوضح نوران خطوات اختيار القطع المستدامة ” أكثر القطع استدامة هي القطعة التي نملكها بالفعل، أولا علينا استخدام ما في خزانة ملابسنا، في المرتبة الثانية تأتي الثياب المستعملة، ثالثا الماركات المحلية وهي اختيار أفضل مئة مرة من الموضة السريعة”.

أما عن التحول الكامل لنمط حياة مستدام تشرح أنه يجب البدء بخطوات صغيرة لتجنب الإحباط ثم عمل قائمة بالقطع التي نحتاجها وعدم شراء أي قطعة خارج القائمة، ثم شراء المستعمل أو من الماركات المحلية، وأخيرا تنصح بمحاولة اكتشاف عالم الثياب المستعملة بالقراءة.

ليست نوران البنان هي الوحيدة التي تدعو لاستخدام الملابس المستعملة كطريقة لدعم الموضة المستدامة، فقد انتشرت العديد من الدعوات المماثلة مؤخرا، قادتها كاتبات محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وساهمن في تحويل “الوكالة” من سوق شعبي إلى سوق مستدام يهدف للحفاظ على البيئة.

التحول للاستدامة في الأزياء من الأمور السهلة نسبياً، فقط، تحتاج للوعي وإدراك أن القيمة الحقيقية للملابس تأتي من مواردنا البيئية، وتؤثر على حق مستقبل الأجيال القادمة في الاستمتاع ببيئة جيدة.