أثار مطرب المهرجانات عمر كمال جدلاً كبيرًا بعدما استبدل لفظي «خمور وحشيش» ضمن أغنيته «بنت الجيران»، بلفظي «تمور وحليب»، وذلك أثناء غنائه في حفل بالمملكة العربية السعودية. الجدل أثير بعد تصريحاته عن سبب هذا الاستبدال/ الاستدراك، عندما قال إنه غيّر الكلمات لأنه يغني على أرض مقدسة.
هذا التصريح جعله في مرمى نيران نقابة المهن الموسيقية المصرية، التي أصدرت قرارًا بالتحقيق مع كمال بزعم «إهانة الدولة المصرية».
ويعتبر حادث مطرب المهرجانات الحالي آخر حلقة من حلقات الاستدراك في الفن المصري، إذ سبقها حوادث كثيرة غيّر خلالها صنّاع الأعمال الفنية جملاً في أغنيات أو أسماء أفلام أو شخصيات في أعمال سينمائية، بعد أن أحدثت أزمة حينها.
أزمة شمشون ولبلب
من يشاهد فيلم «عنتر ولبلب» للمخرج سيف الدين شوكت، وبطولة محمود شكوكو وسراج منير، يلاحظ جيدًا عملية «الدوبلاج» التي أجريت لصوت الممثلين في الفيلم جميعًا عند نطقهم لاسم «عنتر»، وهو الدور الذي جسده النجم سراج منير، إذ كان اسم الشخصية في نسخة العرض الأولى «شمشون»، وتم تغييره إلى «عنتر»، كما كان أول أفيش للفيلم يحمل اسم «شمشمون ولبلب»، فلماذا استبدل صناع الفيلم «عنتر» بدلاً من «شمشون»؟.
هناك سببان شهيران للأمر: الأول هو غضب إسرائيل من ذكر اسم «شمشون» الشخصية الشهيرة في التاريخ اليهودي، إضافة إلى اعتراض الحاخام الأكبر لليهود فى مصر، حايين ناحوم، على ذكر الاسم. والشخصية المقصودة هي شمشون بن منوح الدني، وهو بطل شعبي من إسرائيل القديمة، واشتهر بقوته الهائلة. اسمه مذكور في «العهد القديم» في سفر القضاة، وكذلك بـ«العهد الجديد» في سفر الرسالة إلى العبرانيين، كما أن قصصه شاعت في القرن الـ11 قبل الميلاد.
وارتبط اسم «شمشون» اليهودي بشخصية أخرى وهي «دليلة»، حيث ارتبط الاثنان بقصة حب، وعُرف «شمشون» بأن شعره هو سر قوته، ويضرب به المثل في هدمه للمعبد. ويقول الكاتب مؤمن المحمدي في كتابه «ألف مشهد ومشهد» إن إسرائيل حينها هددت برفع قضية دولية، الأمر الذى أجبر صناع الفيلم على تغيير الاسم.
أما التفسير الثاني، فيُقال إن أحد المصريين واسمه «شمشون» اعترض على الإساءة التى تتعرض لها الشخصية في الفيلم، بعد أن ضربه «لبلب» أو محمود شكوكو سبع صفعات على وجه، وأنه أقام دعوى ضد صانعي الفيلم وربحها، فأجبر المخرج والمنتج على إجراء هذه التعديلات.
والأقرب للمنطق هو التفسير الأول، لأن الفيلم إنتاج سنة 1952، وتم عرضه بعد ثورة يوليو بأسابيع، وربما كانت الدولة المصرية حينها لا تريد صناعة عداوات مع أحد، خصوصاً في تلك الفترة الحرجة.
دين المحبوب
قصيدة «قارئة الفنجان» التي كتبها نزار قباني وغناها عبدالحليم حافظ ولحنها محمد الموجي شهدت هي الأخرى ضجة كبيرة خصوصًا بعد علم الجمهور أن العندليب سيغنيها بكل كلماتها، وتحتوي القصيدة على جملة «يا ولدى قد مات شهيداً، من مات على دين المحبوب»، ويقول الكاتب عمر طاهر في مقال له: «عندما قرر عبد الحليم أن يغنى القصيدة أنفق آلاف الجنيهات على اتصالات هاتفية بنزار الذي كان يقيم وقتها في لندن لتعديل بعض الكلمات في القصيدة، وعلى رأسها موضوع (دين المحبوب)، ولا نعرف ما الذى قاله حليم لنزار حتى يقنعه بالتغيير، ومن المؤكد أن عبد الحليم كان يعرف أن هذه الجملة ستثير سخرية المستمع المصري الذى لن يتردد في اعتبار موضوع (دين المحبوب) سب ديانة. المهم أن نزار اقتنع وجعل الشهادة من نصيب من مات فداء للمحبوب».
روحوا له المدينة
من بين التغييرات التي أجراها حليم على كلمات أغانيه أيضًا ما حدث لـ«قولوا له الحقيقة» التي غناها في فيلم «شارع الحب» عام 1958، وهي كلمات مرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل، حيث غيّر العندليب كلمات أغنيته من «قولوا له الحقيقة» إلى «روحوا له المدينة» وغناها في مدح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقيل إنه غناها لأول مرة في إحدى زياراته للملكة العربية السعودية أيضًا.
وتقول كلمات الأغنية «روحوا له المدينة/ روحوا له وشاهدوا وباركوا/ وعاهدوا نبينا/ محمد نبينا»، وذكر عبدالحليم بنفسه في حوار إذاعي نادر أنه أثناء تردده على أحد الموالد سمع البعض يغنيها. وغير معروف إن كان عبدالحليم هو من غير كلمات الأغنية، أم أن مطربي الموالد هم من فعلوها.
وتسببت تلك الأغنية حديثًا في أزمة كبيرة عندما ذكر مفتي جمهورية مصر السابق الشيخ علي جمعة أن عبدالحليم حافظ غني «أبو عيون جريئة» في مدح النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد فهم المتشددون من كلامه أن العندليب قام بغناء الأغنية بنفس كلماتها، لذا أمطروه باتهامات كبيرة.
يا ناس يا مكبوتة
«حدوتة مصرية» هي أشهر أغنيات محمد منير، وقد كتبها عبدالرحيم منصور ولحنها أحمد منيب، وقد قدمها المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم يحمل نفس الاسم، وهو الفيلم الذي يمثل الحلقة الثانية من رحلة حياة المخرج الكبير، وظهرت الأغنية في الفيلم بكامل الكلمات والتي نص أحد مقاطعها: «يا ناس يا ناس يا مكبوتة.. هي دي الحدوتة.. حدوتة مصرية»، ولكن منير كان يغنيها في الحفلات بحذف كلمة «مكبوتة». وقد تدخلت الرقابة في حذف المقطع منها لاعتبارات سياسية بعد عرضها كاملة في الفيلم.
نهاية البرئ
يعتبر فيلم «البرئ» هو أكثر النماذج التي شهدت تراجعًا من صناعه لأسباب سياسية، حيث اضطر المخرج عاطف الطيب أن يحذف نهاية الفيلم الأصلية، والتي يقف فيها بطل الفيلم «أحمد سبع الليل» أو الراحل أحمد زكي فوق برج المراقبة الخاص بالمعسكر الذي كان يخدم فيه، ثم فجأة قرر الانتقام وفتح النار على كل من في ساحة المعسكر.
وقد اضطر الطيب لحذف نهاية الفيلم الذي قام ببطولته محمود عبدالعزيز إلى جوار أحمد زكي وممدوح عبدالعليم وحسن حسني، وكتبه وحيد حامد سنة 1986. وقد واجهت نسخة الفيلم الأولى اعتراضات رقابية كبيرة، إذ اضطر وزراء الداخلية والدفاع والثقافة أن يشاهدوه، وطالبوا بحذف عدد من مشاهده وتغيير نهايته، حيث اختصرت منه بعض الجمل في مشاهده المختلفة، كما حذف مشهد النهاية من قبل لجنة رقابة شكلها مجلس الوزراء من 3 وزراء هم وزير الدفاع السابق المشير عبد الحليم أبو غزالة، ووزير الداخلية السابق أحمد رشدي، ووزير الثقافة السابق أحمد عبد المقصود هيكل، حيث قررت اللجنة حذف المشهد بحجة أن الوقت لا يتناسب مع عرضه.
وبعد ثلاثين سنة كشف المخرجان الكبيران علي بدرخان ومحمد خان تفاصيل النهاية المحذوفة، وذلك في تدوينات ومنشورات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب علي بدرخان على صفحته الشخصية في «فيس بوك»: «بعد مرور أكثر من 30 سنة على إنتاج فيلم البريء ظهرت نهاية الفيلم التي حذفت بأوامر من الرقابة لخطورتها وما تتضمنه بمشاهد غير مسبوقة بالسينما المصرية. تجسد النهاية المحذوفة والتي تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي اليوم قيام المجند سبع الليل بقتل ضباط وعساكر المعسكر وارتكاب مجزرة في حقهم انتقاماً للمعتقلين والمعذبين على يد زملائه بعد وصول دفعة جديدة من المعتقلين».
وجاء رد المخرج الكبير محمد خان على كلام بدرخان قائلاً: «أشعر بالسعادة لعرض النهاية الأصلية لفيلم عاطف رحمه الله وأحب أن أذكر للتاريخ أننى كنت واقف في ساحة مدينة السينما حين وصل موكب سيارات تحمل وزير الثقافة ورئيس الأركان وأعتقد وزير الداخلية وآخرون ليحضروا عرض خاص للفيلم بقاعة الوزير بالمدينة وبعده تم إصدار الأوامر بتغيير النهاية».