في مايو عام 1969، عثرت مجلة “الهلال” على ورقة مجهولة بين أوراق الكاتب الكبير سلامة موسى، لم تكن هذه الورقة قد نشرت من قبل هذا التاريخ، وموضوعها رسالة كتبها سلامة موسى إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب ومع الرسالة تخطيط عام لقصة سينمائية عن ثورات مصر! بدءا من ثورة 1882 مرورا بثورة 1919 وانتهاءا بثورة 1952.

نشرت “الهلال” الرسالة والقصة السينمائية باعتبارهما شعاعا بسيطا من الضوء ينير جانبا غير معروف في حياة سلامة موسى؛ وهو طموحه إلى الاهتمام بالوسائل الفنية الحديثة المؤثرة على الجماهير مثل السينما والتليفزيون والراديو في ذلك الوقت.

أما القصة السينمائية نفسها فهي تخطيط لعمل فني كبير وكان يمكن للكتاب السينمائيين الحاليين أن يستفيدوا من هذه القصة، لربما تخرج لنا عملا فنيا!

رسالة سلامة موسى إلى محمد عبدالوهاب
رسالة سلامة موسى إلى محمد عبدالوهاب

نص الرسالة:

عزيزي الأستاذ محمد عبد الوهاب

بعد التحية:

قرأت اليوم الإعلان بالأهرام، وأنا ببورسعيد، وسأعود إلى القاهرة في أول سبتمبر القادم، وتذكرت موضوع الثورات الثلاث 1882، 1919، 1952. مع وحدة المكان، والمكان هو منزل عائلة تعيش في أيام الثورة العرابية ويولد بها ولد “حامد” يعود بطلا في 1919 ويشترك في الثورة ويحب فتاة شركسية تعطف على الثورة وتكون قد تخرجت طبيبة في باريس، ويتزوجها وينتخب عضوا في البرلمان.

ثم تحدث ثورة 1952 وفي المكان نفسه تظهر العائلة في الغرفة نفسها مع صورة الأبوين، ولحامد الآن ابن ضابط في الجيش يساعد على الثورة وتنتهي بطرد فاروق.

وبالطبع هذا هو خلاصة الهيكل العظمي للقصة، والهدف هو تصوير الشعب في كفاحه للاستعمار والاستبداد معا في سبعين سنة.

وتقبل احترامي
سلامة موسى

يبدو من الرسائل أنه فيلم وطني، يبرز المواقف الوطنية في 1882، 1919، 1952 ويسمى المواقف -المواكب- الفاخر، والشخصية البارزة فيه تولد في 1882، وتشترك في 1919، 1952، أما ملخص القصة السينمائية التي كتبها الكاتب الكبير سلامة موسى فجاءت كالتالي:

الفصل الأول

(1)
تعلق نتيجة كبيرة على الحائط بالخط الكبير 1882.
ثورة عرابي- الموقف المهم أمام الخديو توفيق- لن نستعبد بعد اليوم
في هذا الفصل عائلة مصرية يدخل بيتها ضيوف ويباركون للأم مولودها الذي سيشترك بعد ذلك في 1919 وينفى ويضرب في 1919.. إلخ..
اسم المولود حامد..
تشرح الثورة على ألسنة الضيوف

(2)
“المواقف”
وتشرح المبادئ عقب موقف عرابي في عابدين- صراع بين المصريين والأتراك والشركس. صورة الأم والأب على الحائط في سن الثلاثين، دفاع الأب عن الثورة يؤدي إلى حبسه ثم الافراج عنه.

الفصل الثاني

نتيجة الحائط عليها بالخط الكبير 1919- المنظر نفسه، البيت نفسه.. حامد لا يزال يعيش مع أمه وأبيه، عمره الآن 37 سنة، يحب فتاة من بنات الشركس أو الأتراك “الابن يشبه الأب”، هي تؤمن بالثورة، تعلمت في باريس، طبيبة، غرام، نهضة المرأة المصرية.
الموقف البارز:
سعد في جلسة سرية للثورة
حامد في الانتخابات = يدخل البرلمان

الفصل الثالث

نتيجة الحائط عليها 1952
حامد عمره الآن في 1952، 70 سنة – البيت نفسه – هو في بيته وعلى الحائط صورتا أمه وأبيه كما كانا في ثورة عرابي، كما كانا في سن الثلاثين، وابنهما ضابط في الجيش الثائر، الابن يشبه الأب مع فرق العمر.. يشرح الفساد.. ينتهي الفصل الثالث بمغادرة فاروق البلاد.

الكاتب الكبير سلامة موسى
الكاتب الكبير سلامة موسى

هل ثمة تشابه بين فكرة عمل عبدالوهاب وبين رواية “ذات” التي تحولت إلى مسلسل؟

سؤال يطرح نفسه بقوة، إذ يتناول مسلسل “ذات” رواية صنع الله إبراهيم وسيناريو وحوار مريم نعوم، فترة تاريخية فاصلة في التاريخ المصري المعاصر، من خلال امرأة ولدت في يوم انطلاقة ثورة 23 يوليو 1952، ومن خلال هذه المرأة البسيطة نرى تطور الحياة المصرية بكل ما فيها من خلال مسار حياة الفتاة التي أطلق عليها والدها اسم (ذات الهمة) وهو اسم يعود إلى التراث وإلى السيرة الهلالية.

من خلال حياة “ذات” تبرز التطورات الاجتماعية في مصر من مجتمع التأميم ومجتمع الإصلاح الزراعي والبناء إلى الحروب التي خاضتها مصر في عام 1956 وحرب اليمن في بداية الستينات من القرن الماضي وحرب 1967 وحرب الاستنزاف مرورا برحيل الزعيم جمال عبد الناصر، ثم تولي أنور السادات الحكم وخوضه حرب أكتوبر 1973 وما تبعها من انفتاح اقتصادي وظهور متغيرات جديدة في المجتمع المصري أهمها انتقال المجتمع برمته إلى السوق الإستهلاكي والانفتاح على دول الخليج العربي وتأثيرات ذلك على تيارات الإسلام السياسي، وينتهي المسلسل بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

بدأ مسلسل “ذات” بثورة وانتهى بثورة ويسرد ما بين الثورتين من خلال أسرة واحدة في بيت واحد، تتغير الظروف والأحداث والبيت واحد، وتلعب مريم نعوم معنا لعبة تغير الأيام من خلال نتيجة الحائط، لكن ثمة تشابه كبير بين المسلسل وبين القصة السينمائية التي كتبها سلامة موسى، كان من المفترض أن يجسدها سينمائيا الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب!

قصة سلامة موسى تبدأ أيضا بثورة وتنتهي بثورة لكن المختلف أنها تمر في المنتصف على ثورة أخرى ثالثة، التشابه الثاني هو أن قصة موسى تسرد الأحداث من خلال أسرة واحدة وبيت واحد، ويلعب الكاتب الكبير أيضا -في تشابه ثالث- لعبة تغير الأيام من خلال نتيجة الحائط، لكن البطل مختلف ففي “ذات” هي الفتاة ذات الهمة أما في قصة سلامة موسى فهو رجل يدعى “حامد”، ويقع الحافر على الحافر حين اختارت مريم نعوم أن تبدأ مسلسلها يوم 23 يونيو 1952 حين ولدت (ذات)، وهو نفس اليوم الذي ختم به موسى قصته السينمائية، وكأن رابطا خفيا جعل مريم نعوم تتم ما بدأه موسى، فهو بدأ من ثورة 1882 ومر على ثورة 19 ثم انتهى بـ1952 ومنها أكملت نعوم المشوار حتى وصلت بنا إلى يناير 2011، في قصة سينمائية تبدو متشابهة إلى حد بعيد.

الموسيقار محمد عبدالوهاب في شبابه
الموسيقار محمد عبدالوهاب في شبابه