في يوم 5 إبريل 1935 اتفق كل من محمد التابعي ومحمود أبو الفتح وكريم ثابت على إنشاء شركة النشر والأنباء المصرية، شركة متخصصة في إصدار الصحف والمجلات، يومية وإسبوعية، وطبعها، والحصول على الأنباء المحلية والعالمية والصور الفوتوغرافية وإذاعتها في مصر والخارج، وكانت باكورة إصدارات تلك الشركة هي جريدة “المصري” الصباحية، برأس مال يقدر بـ3 آلاف جنيه، موزعة بالتساوي بينهم.
وبالفعل صدر العدد الأول في يوم 11 أكتوبر 1936.
وحسب الاتفاق فإن العمل في الصحيفة توزع بين الثلاثة على النحو التالي: يتولى أبو الفتح وثابت مسئولية التحرير فيها، بمرتب قدره 60 جنيها للأول، و50 جنيها للثاني، ويكون التابعي مسئولا عن النواحي الإدارية بمرتب قدره 25 جنيها.
كان الاتفاق الأول تم بين التابعي وأبو الفتح، ثم دخل كريم ثابت في الشراكة.
والثلاثة وقتها كانوا من أهم وألمع الصحفيين في الوسط، فالتابعي -بعد تركه مجلة روزاليوسف- أصدر مجلته الأشهر، آخر ساعة المصورة، وأبو الفتح كان مديرا لتحرير جريدة الأهرام، ولقد توقع الكثيرون أن يتولى رئاسة تحريرها، بعد وفاة داود بركات باشا، لكن ذلك لم يحدث، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعته لتأسيس جريدته الخاصة، وأما ثابت فكان نجم جريدة المقطم، القريبة من التوجهات السياسية البريطانية.
كان الهدف من تأسيس تلك الشركة وما يصدر عنها من جرائد ومجلات أن تكون لسان حال الوطنية المصرية، الممثلة وقتها في حزب الوفد، وكانت هناك مباحثات لأن يشارك فيها الوفد بحصة، لكن انتهى رأي المؤسسين الثلاثة ألا تكون للشركة أو الجريدة أية صلة تنظيمية أو مالية بالحزب، حتى تتوفر لها مساحة وحرية أكبر.
لكن سريعا ما دب الخلاف بين المؤسسين الثلاثة، فقام على إثره محمد التابعي ببيع نصيبه إلى حزب الوفد، وخرج من الشركة، وبعدها باع كريم ثابت نصيبه لأبي الفتح، الذي قام بعد ذلك بشراء حصة الوفد، وأصبحت الجريدة -والشركة- ملكا خالصا له حتى إغلاقها عام 1954 بقرار من محكمة الثورة، (وتلك قصة أخرى).
كان السبب الرئيسي، الذي دعا التابعي لترك الجريدة كما يقول في خطاب أرسله لأبي الفتح وثابت (ونشره صبري أبو المجد في كتابه عنه) هو أن أحوالها كانت تسير من سيء لأسوأ، فتوزيعها لم يكن يتخطى ال10 آلاف نسخة يوميا، مقارنة بالأهرام التي كانت توزع 100 ألف، علاوة على أن سياسة التحرير فيها كانت مرتبكة، ولا توجد خطة أو طريقة محددة للنشر.
لكن لم يكن ذلك هو السبب الوحيد!
ففي نفس الخطاب كتب التابعي لشريكيه قائلا: “يوم اتفقنا معا تعاهدنا على أن نكون لبعض شركاء شرفاء مخلصين، لا ينفرد أحدنا بغنمه، بل يصارح بعضنا البعض بأي ربح أو إعانة أو مكافأة يقع عليها”.
يستطرد التابعي قائلا: “ولقد حفظت أنا عهدي معكما، ومع أن المبلغ الذي قدمته إلينا أخيرة جهة معروفة قد رصد باسمي وكُلف الشخص المختص بأن يسلمه إلي شخصيا فقد أسرعت إليكما بالنبأ، فهل في وسعكما أنتما أن تقولا المثل؟”.
يواصل التابعي: “كلا، وعندي ما يحملني على الاعتقاد الأكيد أن هناك مبالغ عديدة دفعت من أجل المصري، أو من أجل دعاية يقوم بها المصري، أو من أجل سكوت المصري، وهذه المبالغ لم أسمع عنها، لأن الذي قبضها اعتبرها مالا حلالا لنفسه دون الآخرين”.
إشارة التابعي في خطابه ذلك لأمر المبالغ أو اسم من حصل عليها غامضة ولم تشر لأي من الشريكين، ولم يورد صبري أبو المجد -في كتابه- أي رد منهما على ذلك، وسوف تمر سنوات طويلة حتى يكشف عن ذلك بكل صراحة.
في مقاله الأسبوعي (من السبت للسبت) في الصحفة الأخيرة من عدد يوم 13 يونيو 1964 في جريدة أخبار اليوم، يكتب التابعي أنه في يوم 4 مايو 1945 التقى بفؤاد حمزة، الوزير المفوض للمملكة العربية السعودية في أنقرة، وأن الحديث أخذهما عن قصة جريدة المصري، وقال له أنه قبل صدور الجريدة عام 1935 زاره محمود أبو الفتح في مكتبه بآخر ساعة وقدم له شيكا بمبلغ ألف جنيه مسحوبا على البنك البلجيكي في القاهرة، وكان الشيك من خديوي مصر السابق عباس حلمي الثاني.
وبحسب ما كتبه التابعي فإن محمود أبو الفتح أراد توزيع المبلغ بينهما، ولكن، وبما أن أبي الفتح لا يملك مالا لدفع نصيبه في رأس مال الجريدة، فسوف يقوم بكتابة كمبيالة للتابعي على أن يدفعها له فيما بعد.
لكن التابعي -كما يقول- رفض ذلك، لأن أحمد أبو الفتح ليس مدينا له بأي شيء، ثم إنه إذا قامت الجريدة بنشر أي شيء عن الخديوي السابق ومصالحه في مصر لن يشترك في ذلك بالكتابة”.
وضيف التابع بأنه “في أواخر عام 1937 عرف من سليمان فوزي، صاحب مجلة الكشكول وكان وكيلا عن الخديوي لمتابعة مصالحه في مصر، أن محمود أبو الفتح قابل عباس حلمي الثاني في أثينا في ذلك الوقت وطلب منه ألف جنيه ليشتري بها نصيبه من الجريدة، وأنه -أي أبو الفتح- ذهب إليه في سان موريتز بسويسرا وطلب شراء نصيبه، لكنه -التابعي- رفض البيع، لأنه لا يريد أن يبيع لشخص، بل للهيئة السياسية التي أصدر الجريدة تأييدا لها، أي حزب الوفد”.
وينقل التابعي عن فؤاد حمزة أن الخديوي أخبره ذات يوم بأن مجموع ما دفعه لمحمود أبو الفتح يبلغ 10 آلاف جنيه.
تبدو علاقة محمود أبو الفتح بالخديوي السابق علاقة غامضة وغير محددة بالدقة الكافية، فهناك إشارات مبهمة عنها في ثنايا رسالة موجهة من كريم ثابت إلى التابعي، وكانت بتاريخ يوم 6 إبريل 1937 (صفحة 563 من كتاب صبري أبو المجد)، وفيها يُحيي ثابت زميله على توطيد علاقته بالملك فاروق و”استلطافه” له، رغم شكواه -شكوى الملك- من المقالات التي كتبها محمود أبو الفتح عن عباس حلمي في المصري.
وهناك أيضا رسالة (بدون تاريخ، صفحة 568 من نفس الكتاب ) كتبها محمود أبو الفتح للتابعي يشرح فيها بعض الأمور الخاصة بالجريدة، وفي فقرة منها قال بالنص: “ومقالات الخديوي لا أجد فيها ما يجعلها غير مرغوب فيها، وإني أتمشى في أن بعض المقالات قد لا يكون في نشرها مصلحة للجريدة، ولكن هل كل مقالة نشرناها كانت لمصلحة أو للمصلحة – وأنت تعرف كل ما يتعلق بالخديوي وبيننا في هذا صراحة تامة”.
ورغم غموض النص إلا أنه تبدو أن علاقة أبو الفتح بالخديوي السابق لم تكن خافية على محمد التابعي، على الأقل في عمومها، لكن هل كان التابعي يعرف كل تفاصيلها؟ هذا ما لم نعرفه.
في لقاء أنقرة مع فؤاد حمزة يقول التابعي إن الخديوي كان معروفا بالبخل الشديد، لكنه كان يصرف بسخاء على ثلاثة أمور: 1/الدعاية له في مصر لحفظ حقوقه واسترداد عرشه إن أمكن أو تعويضه عنه، 2/جمع الأخبار، وقد كانت له إدارة استعلامات بارعة تضم بوابي الفنادق وصرافي البنوك، 3/ النساء، وخصوصا الفتيات أو الشابات الصغيرات (..) فهل كانت علاقته بمحمود أبو الفتح تدخل في ذلك النطاق؟ وما هو مكسب أبو الفتح في ذلك ماديا وسياسيا وصحفيا؟
بحسب معلومات متداولة فإن محمود أبو الفتح، الذي استقال من الأهرام بعد خسارته منصب رئيس التحرير، قام بدفع نصيبه في رأس مال الجريدة من ثمن “فدانين” أرض باعها والده الشيخ أحمد أبو الفتح، وهو ما يتنافى مع ما قاله التابعي تماما.