في بداية الخمسينات اهتمت الصحافة المصرية بالعديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والطبية وغيرها، كان الحدث الأبرز سياسيا هو ثورة يوليو 1952، وربما هي ما قادت الصحف للحديث عن التغيرات الاجتماعية في المجتمع المصري، وحدث أن جذبت الآنسة فهيمة أكثر من صحيفة، منذ أجريت العلمية الجراحية التي جعلت منها رجلا، والناس لا يكفون عن متابعة أخبارها بشغف شديد، وتابعها الناس وهى في مستشفى الدكتور ماهر في انتظار العمليتين الباقيتين لتصبح بعدهما رجلا كامل الرجولة.
ذهبت مجلة روزاليوسف في عددها رقم (1365) الصادر في 9 أغسطس 1954 إلى الدكتور جمال الدين سامي وهو أخصائي أمراض النساء والولادة الذي أشرف بنفسه على عمليات الآنسة فهيمة حتى أصبحت السيد فهيم، وقال الدكتور جمال: “عندما وصلتنا فهيمة لأول مرة كانت رغم الخشونة الظاهرة في صوتها، وميل جسمها إلى الرجولة، أنثى بحتة في أخلاقها، يغلب عليها حياء الأنوثة، فكانت مثلا كلما ترى رجلا أو شابا تستحى، ولكن بعد أن عرفت التطور الذي سيطرأ عليها وبدأ الناس يترددون على المستشفى خصيصا لرؤيتها أخذت نعيمة تهرب منهم لدرجة أننا اضطررنا لحجزها في منزل الممرضات بمستشفى بولاق حيث كانت تعالج أولا”.
سأل مندوب روزاليوسف عن أهم الأحاديث التي كانت فهيمة تتحدث بها أول مرة فقال الدكتور: “كان من أهم أحاديثها الشيقة حديثها عن الشبان الذين تقدموا لخطبتها وكيف أن زوجة أبيها كانت تنفرهم منها بحجة أنها “بنت دكر” وقالت لنا فهيمة أن ذلك كان يسبب لها حالة بؤس مستمر”.
عندما دخلت فهيمة المستشفى لأول مرة وضعت في قسم أمراض النساء حيث كانت تتعامل مع كل من معها على أنها أنثى، لكن بعد إجراء العملية الثانية فقد لاحظ الدكتور جمال الدين سامي أنها قد تغيرت عقليا فأصبحت فهيمة في ضيق مستمر واشمئزاز من كل من يحاول معاملتها كأنثى، كما لاحظ أن المرضى الموجودين معها وكلهن طبعا من قسم أمراض النساء -أي سيدات- أخذن يخشون مخالطتها، وخاصة إذا حاول أي طبيب الكشف على إحداهن أو عمل غيار لها في حضور فهيمة، والأغرب أن أقرباء السيدات المرضى عندما يأتون للزيارة يسألون في أول الأمر عن حالة فهيمة وتطورات حالتها ومدى نجاح العملية، ويسألون: هل أصبحت في حالة تسمح لها بالمعاشرة؟!
عند هذا السؤال فقط تنبه الدكتور جمال الدين لخطورة استمرار وجود فهيمة في قسم أمراض النساء، فتوجه مباشرة إلى القسم وسأل المرضى والممرضات الموجودات معها عما لاحظنه عليها من تغير؟ فوجد أن “فهيم” قد حاول إظهار رجولته بمعاكستهن والجري وراءهن وذلك منذ إسبوع واحد فقط!
تحدث الدكتور جمال الدين سامي على الفور مع زميله الدكتور ميشيل فهمي أخصائي التجميل في المستشفى والذي يقوم بإجراء العلميات الخاصة بفهيمة وذلك لعمل الترتيبات اللازمة لنقله لقسم الرجال تحت إشراف الدكتور ميشيل.
وفي نفس اليوم، تم قص شعر فهيمة حتى ظهرت بمظهر الرجال ولم يمض عليها سوى بضعة أيام حتى أصبحت رجلا في مظهرها، بل إنها -أو قل إنه- أخذ يحاول إظهار رجولته بطريقة أكثر بكثير من الطبيعي! فمثلا أخذ يقطب جبينه لكل من يكلمه، وزيادة في إظهار رجولته بدأ يدخن لأول مرة وهو ممسك بالسيجارة في تباه، ممثلا نعرة الرجال حين يصيبهم الزهو، وقد حاول الدكتور سامي أن يمنعه من التدخين دون جدوى، ولأنه من مهام الطبيب الأولى مراعاة الحالة النفسية لمريضه فقد رضخ له نهائيا مادام “فهيم” يعتقد أن التدخين علامة من علامات الرجال!
سأل مندوب روزاليوسف الدكتور جمال الدين سامي عما إذا كان “فهيم” يشعر بالسعادة أم لا؟ فقال الأخير: “إن أبرز خلقه هو سعادته، سعادته التي لا حد لها ونحن نعاني الكثير من محاولته إظهار رجولته، أفليس في هذا دليل على بالغ سعادته بالانقلاب الذي حدث له”، ومضى الدكتور سامي يقول إن السيد فهيم ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي ينتهى فيه من إجراء آخر عملية له.
كان الجميع يشجع كل من مع فهيم في القسم على معاملته معاملة الرجال حتى يساعدوه على محو تأثير معاملته كأنثى لمدة ستة عشر سنة كاملة، إذ كان على فهيم أن يستعد منذ هذه اللحظة لمواجهة الحياة بهذا الوضع، ومن وظيفة الطبيب المعالج الذي يقوم بهذا النوع من العمليات -الذي كان نادرا جدا في ذلك التوقيت في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي- أن يعالج نفسية المريض كما يعالج أعضاء جسده حتى يجعله مستعدا تماما لمواجهة الحياة في رجولة تامة تمحو أثر الأنوثة التي دام فيها في مستهل حياته والتي مضت الآن بلا رجعة.
خاض فهيم عدة عمليات لإعادة تحديد الجنس من امرأة إلى رجل وتتضمن العديد من العمليات الجراحية التي تغير المزايا الجسدية لتصبح متناسبةً أكثر مع هوية الرجل المتحول جنسياً وحاجاته الحياتية، وقص شعره ولبس مثل الرجال وخرج إلى الناس رجلا كاملا، فاهتمت به الصحافة لأن ما فعله لم يكن اعتياديا مثلما هو الآن، فدولة مثل اليمن العربية الشقيقة نجحت أول عملية تحويل أنثلا إلى رجل فيها منذ خمس سنوات فقط، فكان طبيعيا أن تفرد السلطة الرابعة صفحاتها لفهيمة وتصحبها في رحلتها للتحول إلى فهيم.