توقفت دينا عن الذهاب الى مدرستها في عمر تسع سنوات، وذلك جراء هجرة عائلتها من الفيوم إلى الجيزة بعدما ظفر الجفاف والتصحر بأراضي العائلة الزراعية. وبينما استكمل أشقائها الذكور تعليمهم بعد انتقال الأسرة للعمل في حراسة العقارات بمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة، كان مطلوبا من دينا أن تساعد أسرتها في عملها الجديد، ولم تتح لها فرصة العودة إلى المدرسة.
تتشابه ظروف أسرة دينا مع الكثير من الأسر في مصر وإفريقيا وغيرها من البلدان النامية حيث حرمت الأحداث المتعلقة بالمناخ عام 2021 ما لا يقل عن 4 ملايين فتاة في البلدان النامية من إكمال تعليمهن، ومن المتوقع أن تتسبب الظواهر المناخية في منع ما لا يقل عن 12.5 مليون فتاة في البلدان منخفضة إلى متوسطة الدخل من إكمال تعليمهن بحلول عام 2025، وفق تقرير لصندوق ملاله لحق الفتيات في التعليم.
الفقر يفاقم تأثيرات تغير المناخ
وقالت ريهام رفعت الباحثة في إدارة التغيرات المناخية في تصريح لـ”عرب لايت” إن الفقر يفاقم التأثيرات السلبية لتغير المناخ علاوة على الثقافة المجتمعية الذكورية التي تميز ضد الفتيات، والنتيجة أن الفتيات هن الأكثر حرمانا من التعليم بسبب التغيرات المناخية، وتوضح الباحثة في هذا السياق “الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الأحداث المناخية القاسية تجبر الفتيات على ترك المدرسة لمساعدة الأسرة، وتؤدي في بعض الأحيان إلى الزواج المبكر كوسيلة لتخفيف الأعباء”.
وهو ما حدث في حالة دينا التي كانت هجرة المناخ عاملا مؤثرا في أن تصير زوجة وأما وهي في الخامسة عشر من عمرها.
وتعاني الكثير من الفتيات في القارة الأفريقية من غياب العدالة الاجتماعية لاسيما حين يتعلق الأمر بحقهن في التعليم وكأنه نوع من الرفاهية يمكن الاستغناء عنه مع أول أزمة اقتصادية تضرب الأسرة، وهو ما يترك آثاره السلبية على حياتهن بأكملها.
إنفوجراف تسرب الفتيات من التعليم – إعداد رحمة ضياء
الثقافة المجتمعية التمييزية تسلب الفتاة حق التعليم
ولا يكمل 92% من الفتيات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعليمهن الثانوي مطلقا وهن محاصرات في دائرة الفقر، وفي حين أن الفتيات غالبا ما يبدأن المدرسة الابتدائية على قدم المساواة مع الأولاد تميل الفتيات أكثر من الفتيان إلى الانقطاع عن التعليم مع تقدم السنوات. ففي غانا، على سبيل المثال، يزيد عدد الأولاد الذين يكملون المرحلة الثانوية بنسبة 13% عن عدد الفتيات. وفي زامبيا ، الفرق هو 11٪ لصالح الأولاد، وفقا لشبكة كامفيد.
وقالت بلانجنان دمشكال الناشطة البيئية ومؤسسة مبادرة “إفريقيا الصديقة للبيئة” لـ”عرب لايت” في حوار معها عبر البريد الإلكتروني:”أنا من قرية صغيرة في شمال وسط نيجيريا، عانينا من الفيضانات الشديدة المتكررة، ولكم أن تتخيلوا التأثيرات”.
وتضيف “في ظروف كهذه تجد الفتاة نفسها مسؤولة عن رعاية أشقائها الصغار الذين يكملون تعليمهم في حين لا تكون لديها رفاهية الذهاب إلى المدرسة، بينما تنشغل الأم في رحلات طويلة لجلب المياه والحطب وأعمال الزراعة، ويرحل الرجال عن القرية للبحث عن مصدر رزق بديل”.
وذكر التقرير الصادر عن صندوق ملاله لحق الفتيات في التعليم عدة أسباب تجعل الأحداث المرتبطة بالمناخ تساهم في انقطاع الفتيات دونا عن الذكور عن التعليم ومنها أن الجفاف يمكن أن يجعل الفتيات أكثر عرضة للتغيب خاصة في فترات الدورة الشهرية مع نقص المياه في المدارس، وكذلك بسبب تخوف الأسر من إرسال الفتيات للمدارس في الظروف المناخية السيئة حتى لا يتعرضن للمضايقات أو العنف.
وأشار التقرير إلى أن تداعيات تلك الظروف تتفاقم في البلدان الأشد فقرا والمجتمعات المهمشة بسبب عدم المساواة والمعايير التمييزية ضد الفتيات وزيادة المسؤوليات الأسرية الواقعة عليهن عند وقوع الأزمات المناخية.
التعليم سبيل الفتيات للتكيف والنجاة
وفي المقابل من شأن تعليم الفتيات أن يساهم في تقليل البصمة الكربونية (إجمالي غازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية) وتعزيز قدراتهم على التكيف، وتقول ريهام رفعت الباحثة في إدارة التغيرات المناخية إن “كلما زاد تعليم الفتيات زادت الممارسات الجيدة الصديقة للبيئة، وتحسنت طريقة إدارة الموارد داخل الأسرة سواء الأكل والشرب أو تقليل الاستهلاك ومن ثم الانبعاثات وإعادة استخدام المخلفات”.
وأضافت “الفتاة المتعلمة على سبيل المثال يمكنها أن تفتح تطبيق وتبدل مخلفات الورق والبلاستيك أو الزيت المستعمل بسلع غذائية أو كروت شحن”.
ويظهر مؤشر التكيف العالمي ارتباطا بين المزيد من تعليم الفتيات ومرونة الدولة في مواجهة الكوارث المناخية، فلكل سنة إضافية من التعليم تحصل عليها الفتيات تزداد قدرة البلدان على الصمود أمام الكوارث المناخية في المتوسط بمقدار 1.6-3.2 نقطة على المؤشر العالمي التابع لمبادرة التغيير البيئي في جامعة نوتردام.
ويقول دكتور يوسف الكمري أستاذ باحث وعضو شبكة العمل المناخي في المغرب لـ”عرب لايت” إن الضغط الاقتصادي الناجم عن تغير المناخ يؤدي إلى حالات زواج الأطفال والزواج بالإكراه كاستراتيجية للتكيف، وهو ما يحد من فرص الفتيات لاستكمال تعليمهم ويهدد حياتهم.
ولهذا يرى ضرورة أن يكون النوع الاجتماعي جزءا أساسيا في مفاوضات الدول الخاصة بتغير المناخ قائلا: “الفتيات أكثر عرضة ليس فقط لفقدان تعليمهم ولكن عرضة إلى فقدان حياتهم بأكملها خلال الكوارث المناخية وهناك حاجة ملحة للاستثمار في تعليم الفتيات لمواجهة تغير المناخ”.
وذكر تقرير صدر مؤخرا للأمم المتحدة حول كيفية تأثر النساء والفتيات بتغير المناخ أنه في ظل تزايد الأعباء الناتجة عن الظروف المناخية القاسية تضطر الفتيات إلى ترك المدرسة لمساعدة أمهاتهن في الأعباء المتزايدة على عاتقهن، وهو ما يؤدي إلى تزايد هشاشة النساء والفتيات في مواجهة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي بما فيها العنف الجنسي وزواج الأطفال والاتجار بالبشر.
بينما إذا حصلت 70% من الفتيات تتراوح أعمارهن بين 20 و39 عاما على ما يقل عن التعليم الثانوي يمكن خفض الوفيات الكارثية في 130 دولة بنسبة 60% بحلول عام 2050، بحسب ورقة بحثية أعدها البنك الدولي عن دور التعليم في التكيف مع الأحداث المناخية المتطرفة في الدول النامية.
وفي ضوء هذه المعطيات يمكننا أن نقول دون مبالغة إن تعليم الفتاة في أفريقيا ينقذ حياتها ويساعد مجتمعها على التكيف مع الصدمات المناخية، وهو أيضا السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة.
بلغت دينا من العمر ثمانية عشر عاما، قضت نصفهم بعيدا عن مدينتها الفيوم. وتعمل دينا منذ زواجها في إحدى دور الحضانة، ترعى الأطفال الذين يبدأون مسيرتهم التعليمية، بينما في ظروف أخرى كانت ستكون في الوقت الحالي قد حصلت على شهادة الثانوية، والتحقت بالجامعة مثلما كانت تحلم.