في يوم السادس من أكتوبر عام 1973م، العاشر من رمضان 1393هـ، وهو يوم صيام كيبور لدى اليهود، وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، فتحت نيران ما يقرب من أربعة آلاف سلاح مصري في وقت واحد، في الضفة الغربية لقناة السويس، على النقط القوية ومواقع القيادة في المنطقة الأمامية لخط بارليف.
في الوقت نفسه، انطلقت مائتان وخمسون طائرة مصرية عبر القناة، باتجاه مواقع صواريخ الدفاع الجوي، ومواقع مدفعية مؤخرة المنطقة ومواقع الرادار، كما انطلقت الصواريخ طويلة المدى نحو القواعد الإسرائيلية.
كانت هذه هي الوقائع الأولى لحرب أكتوبر، أو قل هي المشاهد الأولى التي تكوّن في مجموعها أفضل سيناريو يمكن تصوره لفيلم حربي.
إن قصة تصوير وتوثيق الحرب بالكاميرا، قصة مثيرة اهتم الكثيرون بالحديث عنها، إلا أن الكثيرين أيضا لا يعرفون تفاصيلها الكاملة، ولا يعرفون ما إذا كانت اللقطات التي تذاع في الأفلام والأغاني الوطنية عن حرب أكتوبر هي لقطات حقيقية من قلب المعركة بالفعل؟ أم أنها مشاهد تمثيلية تم تصويرها لاحقا؟ وإن كانت مشاهد تمثيلية، فأين ذهبت المشاهد الأصلية؟
في هذا التقرير، سوف نستعرض قصة تصوير الحرب بشكل رئيسي، ولكننا سوف نسرد أيضا قصصا أخرى مرتبطة بها، رأينا أن ذكرها يكمل المشهد البطولي للمصريين في الحرب، لنحكي كيف دارت الحرب على أرض الواقع وأمام الكاميرا؟
سنة ما قبل الحرب
يقول الكاتب الكبير سعد الدين وهبة في مذكراته:
“يوم الجمعة 5 أكتوبر كنت في سرادق الحسين التابع للثقافة الجماهيرية عندما حضر في حوالي العاشرة مساء اللواء حسين حافظ وكان يعمل معي بالثقافة الجماهيرية، وسألته لماذا تأخر؟ فقال إنه كان بمطار القاهرة يودع أحد الأصدقاء وقال فجأة:
– سيادتك ماتعرفش؟
– ماعرفش ايه!
ورد حسين قائلا:
– دا الحرب بكرة!!”.
يقدم سعد الدين وهبة في مذكراته تفاصيل نادرة عن أحداث حرب أكتوبر، خاصة وأنه كان وكيل وزارة الثقافة ورئيس هيئة الثقافة الجماهيرية حينها وأمين الاتحاد الاشتراكي بالقاهرة، حيث كان مطلعا على كثير من التفاصيل الهامة التي ربما لم تتح لغيره، وبالأخص تفاصيل تصوير الحرب، ونظرة السادات لها.
يسترسل وهبة في مذكراته مسترجعا أحداث سبقت حديثه مع اللواء حسين حافظ، عندما عين في الثقافة الجماهيرية سنة 1969، وذهابه إلى السويس وإحيائه لقصر الثقافة هناك بعد أن كان مغلق لوقت طويل، وكانت فرقة أولاد الأرض وكابتن غزالي قد ظهرت للوجود، فاحتضنهم قصر الثقافة وقدموا عروضهم به وببورسعيد والعديد من القرى، وتمت دعوتهم لإقامة حفلات بسرادق الحسين، كما تمت دعوتهم ضمن قوافل ثقافية وفنية لزيارات الجنود على طول الجبهة من بورسعيد حتى جنوب البحر الأحمر.
ويذكر وهبة عندما اتصل به الفريق محمد صادق وزير الحربية لدعوته للذهاب معه إلى معسكر الجلاء بالإسماعيلية والاشتراك في افتتاح معرض فنون تشكيلية لجنود الجيش الثانى للمجندين من خريجى كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية:
“أثناء تناول القهوة بعد افتتاح المعرض فوجئنا بوصول الرئيس السادات على غير موعد، وصافح السادات القيادات وصافحني وسألنى بين الدهشة والاستنكار بتعمل ايه هنا يا سعد؟!
وأسرع الفريق صادق وأجاب بأنه دعانى للمشاركة في افتتاح المعرض، وضحك السادات وقال خبير يعنى؟ وضحك الموجودون، ثم وجه إليّ الحديث بشئ من الود وهو يسألنى: صحيح الولاد بيعرفوا يرسموا؟ وأجبته بأن أعمالهم ممكن أن تكون في مستوى الفنانين المحترفين، وقد عقب السادات على كلامي بقوله: خلاص أنا اطمنت مادام بيعرفوا يرسموا يبقى يعرفوا يحاربوا، ويبدو أنه توقع إنكار بعض القادة أو عدم فهم ما يقصد، فقال: البني آدم اللى غاوي حاجة بتبقى علاقته بالحياة كويسة واللي علاقته بالحياة كويسة يعمل كل حاجة كويسة حتى الحرب”.
ويضيف وهبة أن السادات استمع إلى بعض الدردشات عن كيف لم يفي السوفييت بوعوده، ولم يوردوا ما اتفق عليه من السلاح، وهجوم بعض القادة على السوفيت حتى أوشكوا أن يتهموهم بأنهم لا يعملون لصالح الجيش المصري وأنهم غير متحمسين لدخول مصر الحرب علاوة على الانتصار فيها، مشيرا إلى أن تلك كانت عادات السادات من جذب أطراف الحديث واستشعار ما يدور في أذهان الجنود والضباط أثناء تفقده الأمور على الجبهة، حيث كان يستمع كثيرا، يستفسر أحيانا، لا يعطى أي انطباع يذكر عما يسمع، ثم يصدر ما يراه من قرارات.
يذكر وهبة أنه بعد ذاك اللقاء بأسابيع قليلة وأثناء انشغاله بمؤتمر للاتحاد الاشتراكي بشبرا، تلقى مكالمة هاتفية من سيد مرعي وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، يطلب منه إنهاء المؤتمر والذهاب إلى مكتبه بأمانة القاهرة، حيث علم أن قرارا أصدره السادات بعزل الفريق محمد صادق وزير الحربية وأن عليه أن يعقد اجتماعا في صباح باكر لتوضيح ما سوف تتضمنه الصحف للخبر.
تضمن ذاك العام أيضا اعتصامات الطلبة وإضرابات الجامعة، فليس هناك شك في أن حركة طلاب الجامعات في يناير 1972 وما قبلها من انتفاضات طلابية كانت مصدر قلق شديد للنظام المصري، نظرا لخطورة الخروج بالمظاهرات إلى الشارع والتحام الحركة الطلابية بالحركة العمالية، وبالرغم من انحسارها ومن فشلها في التوسع، إلا أنها مثلت مبعث قلق للنظام وكانت ذروة هامة من ذروات النضال الطلابي في ذاك الوقت وما تلاه.
بداية عام الحرب
مع بداية عام دراسي جديد في 3 أكتوبر 1973 وافتتاح الجامعات، وبعد لقاء ممدوح سالم مع المحافظين، يروي سعد الدين وهبة إثر هذه الاجتماعات عن ما عرفه ورآه من إرهاصات لبدء الحرب، فيقول:
“وكنا قد قضينا موسـم 72 في اعتصامات وإضرابات بين جامعة عين شمس وجامعة القاهر، وفي يوم يوم الخميس 8 رمضان / 4 أكتوبر، انعقد مجلس الوزراء، واستدعاني الدكتور حافظ غانم أمين عام اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، حيث قابلته في مكتبه فأعطاني بعض أرقام التليفونات وقال لي إنها أرقام سرية خاصة بي وحدي لا أطلع أحدا عليها، وطلب مني أن أدعو لاجتماع لجميع أمناء الأقسام بالقاهرة يوم الجمعة 5 أكتوبر بعد صلاة الجمعة وبعد أن يكتمل عددهم أعطيه التمام في أحد أرقام التليفونات التي سلمني إياها لأنها الأرقام السرية لغرفة العمليات بالاتحاد الاشتراكي.
وضعت أرقام التليفونات في جيبي وخرجت وعدت إلى مكتبي في الاتحاد الاشتراكي لأدعو لهذا الاجتماع المهم بعد صلاة الجمعة، في اليوم التالي كنت قد سألت حافظ غانم: هل هناك تعليمات نعطيها لأمناء الأقسام؟ فقال لي فقط يحضرون معك الاجتماع، وفكرت ماذا أقول لهم إذا سألوني عن هذا الاجتماع؟ ماذا أقـول لهـم لقـد دعوناهم عشرات المرات من قبل وقلنا لهم عشرات المرات إن الحرب على الأبواب ولم تحدث حرب ولا يحزنون، وقررت ألا أدعـو أحدا وحدث في اليوم التالي، يوم الجمعة، وبعد الصلاة أن ذهبت إلى مكتبي في الاتحاد الاشتراكي وأخرجت الورقة وبقها الأرقام السرية وضربت رقما ورد الدكتور حافظ غانم ودار بيننا الحوار التالي:
– مين؟
– أنا سعد الدين وهبة أمين القاهرة.
– إزاى الحال يا سعد؟
– كله كويس يا أفندم.
– القيادات موجودة؟
– كله تمام يا أفندم.
– طب متشكر قوى سلم عليهم كلهم.
– يوصل يا أفندم.
ووضعت السماعة وأنا أشعر بسعادة كبيرة لأني لم أحضر أحدا، وغادرت مبنى الاتحاد الاشتراكي في مساء اليوم نفسه وكنت في سرادق الثقافة الجماهيرية بالحسين عندما وصل حسين حافظ وقال لي:
– الحرب بكرة.
وسألته:
– حرب إيه يا حسين؟
قال لي حسين حافظ بالحرف الواحد إنه كان في مطار القاهرة يودع أصدقاءه وشاهد بنفسه العمال يدهنون زجاج المطار باللون الأزرق، ثم أبلغه أحد العاملين بشركة مصر للطيران أن الشركة أنزلت الطائرات إلى المخابئ، وعندما سأل، قالوا له إن الحرب ستقوم غدا، كان الكلام غريبا! وعندما أقرأ أو أسمع عن خطة التمويه التي أعدت إعدادا دقيقا ونشر عنها في الصحف عن سفر دفعة مـن ضباط الجيش لأداء العمرة وعن العساكر الذين كانوا يعومون في القناة أو يلعبون الكرة أو يمصون القصب فوق الساتر الترابي عندما أسمع كل ذلك أو أقرؤه وأذكر ما قاله لي حسين حافظ يوم 5 أكتوبر أفكر: إذن كيف لم تعـرف لا إسرائيل ولا المخابرات الأمريكية ولا حتى مخابرات الاتحاد السوفييتي بموعد الحرب!!
في صباح اليوم التالي 6 أكتوبر 1973 خرجت من البيت وبدلاً من أن أذهب إلى مكتبي بالثقافة الجماهيرية ذهبت إلى مكتب الوزير -وزير الثقافة يوسف السباعي- في شارع شجرة الدرة، سـألت السباعي:
– مش حاسس بحاجة غير عادية بتجري الأيام دي؟
ورد يوسف السباعي:
– مش عارف بس أنا حاسس إن فيه حاجة؛ عملولنا اجتماع يوم الأربعاء لمجلس الوزراء واتكلموا كلام كتير مفهوش حاجة محددة.
قلت له:
– وأحنا عملوا لنا اجتماع يوم الثلاثاء وبرضه مافهمناش حاجة.
وقال يمكن فيه حرب، فأجبته:
– يبقى المسألة عاوزة تصرف سريع من حضرتك.
وسألني تصرف في إيه؟
وأجبته:
– فيه وكيل وزارة من وكلاء الوزارة يبقى مسؤول عن الأمن بالإضافة لعمله ومافيش دلوقت وكيل وزارة للأمن في وزارة الثقافة.
سألني بغير اهتمام كبير:
– ليه ؟
وأجبته:
– لأن “فلان” كان وكيل وزارة للأمن وخرج معاش ومحدش اتعين تاني بدلا منه.
عاد يوسف السباعي يسألني:
– ووكيل وزارة الأمن دا حيعمل إيه؟
وقلت:
– حيعمل حاجات كتير أنت ناسي إن وزارتنا بتملك ثروة مصركلها؟!
وسألني في دهشة:
– ثروة إيه سيبت ركبي؟!
قلت:
– الآثار الفرعونية وذهب توت عنخ آمون وآلاف غيره دا غير الوثائق القومية كمان.
وبدأ يوسف السباعي يهتم، فقال:
– ودول بنعمل فيهم إيه؟
قلت:
– لهم مخابئ خاصة بالجبـل بالهرم معـدة لإخفائهـا وقت الحرب.
وسألنى بلهفة:
– ومين يعرف المخابئ دي؟
وأجبته:
– وكيل الوزارة لشئون الأمن.
وسألني:
– وأنت تعرف المخابئ دي؟
أجبته: بالإيجاب، فمد يده إلى ورقة أمامه وهو يقول:
– تبقى خلاص حضرتك تتولى مـن دلوقتى مسؤولية وكيل الوزارة لشئون الأمن بالإضافة لعملك.
واستمريت فى مباشرة عملي كمسؤول عن الجبهة الداخلية في القاهرة كأمين للاتحاد الاشتراكي، بالإضافة لوكالة وزارة الثقافة لشئون الأمن.
لاحقا، وأثناء وجودي بالأمانة العامة تلقيت اتصالا هاتفيا وأنا لا أعرف من يتحدث عـلى نهاية الخط، وجاءني صوته في سرعة، كان السيد ممدوح سالم وزير الداخلية وصرخ ممدوح سالم في التليفون:
– أنت فين يا سعد قلبنا الدنيا عليك؟
وأجبت:
– كنت عند وزير الثقافة.
وقال ممدوح سالم:
– تروح مكتبك في الاتحاد الاشتراكي دلوقت، الحرب هاتبتدي الساعة اتنين.
البيان الأول
عبر أثير البرنامج العام بالإذاعة، وفي الثانية والربع أذيع المارش العسكري الشهير، وتلاه البيان رقم واحد: “هنا القاهرة.. جاءنا الآن البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة: قام العدو في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم، بمهاجمة قواتنا في منطقتي الزعفرانة والسخنة في خليج السويس، بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي من الخليج، وتقوم قواتنا حاليًا بالتصدي للقوات المغيرة”
كانت تلك الكلمات أول ما عرفه المصريين بصوت حلمي البُلك عن بدء الحرب، وتوالت البيانات.. خمس بيانات.. وتناوب يحيى عبد الحليم وحلمي البُلك إذاعتها بمعدل كل نصف ساعة تقريبا بيانا جديدا حاملا بإيجاز جانبا لتطور الوضع على الجبهة حتى أنهاها البُلك كما بدأها بالبيان الخامس في تمام الساعة الخامسة مساءا ليقول أغلى كلمات سمعها المصريون: “هنا القاهرة.. جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي: نجحت قواتنا في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة، واستولت على نقاط العدو القوية بها، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.. هنا القاهرة”.
“كلفت أفراد الدفاع المدني بالتواجد في مواقعهم، وفرق الدفاع الشعبي في حالة استعداد بلجان الأقسام، وأكدت على سرعة افتتاح معسكرات التبرع بالدم”، هكذا يسرد لنا سعد وهبة نفس لحظات العبور من جهة أخرى ويستطرد: “اجتمعنا حول جهاز راديو أحضرته من مكتبى، وفي الساعة الثانية وخمس دقائق أذيع البيان الأول، اتصلت بالثقافة الجماهيرية وأعلمتهم بإلغاء سرادق رمضان، واتصلت بمسؤولي الأمن في هيئة الآثار وبدار الكتب وكانوا قد أتموا مهمة نقل الآثار والوثائق القومية إلى أماكنها السرية المتفق عليها، في الساعة السابعة وعندما ارتفع من مآذن القاهرة آذان المغرب معلنا انتهاء صيام اليوم العاشر من رمضان، كانت القاهرة قد استعدت تماما لأى احتمال. في التاسعة اتصل بي ممدوح سالم وأبلغنى أنه سيمر عليّ في أمانة القاهرة لنتفقد الوضع في أحياء المدينة المختلفة، وبدأنا بحلوان ثم مصر القديمة فمصر الجديدة فمدينة نصر، وكنا نمر من شارع جوهر القائد في الجمالية عندما انطلق من مآذن الأزهر والحسين آذان الفجر، دخلنا الميدان بجانب خيمة ووجدنا أمامها آلاف الشباب في صفوف طويلة يتبرعون بالدم”.
تصوير المعارك
عن هذه المسألة، يحكي سعد وهبة في كتابه قائلا: “اتصلت بيوسف السباعي لكى يرسل بعض المصورين الصحفيين للتصوير على الجبهة، وبعد مكالمة هاتفية بالمسؤولين في الشئون العامة للقوات المسلحة أبلغوه أن لديهم من المجندين أكثر من اثني عشر مجندا من خريجي معهد السينما والفنون التطبيقية قسم التصوير، وأنهم كُلفوا بتصوير عمليات عبور قناة السويس منذ بدايتها، وبعد ثلاثة أيام من المعارك أخطرت بحضور اجتماع غرفة العمليات في الاتحاد الاشتراكي، في منتصف كل ليلة كان يرأس الاجتماع الدكتور حافظ غانم وكان يسبق هذا الاجتماع اجتماع آخر يعقده مع الدكتور عبدالقادر حاتم النائب الأول والقائم بعمل رئيس الوزراء في تلك الفترة واجتماع مع ممدوح سالم وزير الداخلية وفي بعض الأحيان مع الفريق أحمـد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، وفي هـذا الاجتماع الـذي كـان يحضره حوالي 20 مسؤولا من الاتحاد الاشتراكي ومن مختلـف المستويات والتخصصات كانت تجرى مناقشة كل ما يدور في الجبهة الداخلية بصراحة كاملة”.
لم تكن عواقب الأمور معروفة ولم تكن هناك رغبة لدى السادات في تسجيل حى لما يجري ولا نشر ما قد يسجل؛ لأنه حسبما رأى مصر كانت مكشوفة لإسرائيل بشكل مخيف، وكان نجاح الحرب يعتمد على السرية والمفاجأة، بالرغم من وجود كاميرات أمريكية وأخرى سوڤيتية وثقت بالفوتوغرافيا وبالڤيديوهات تسجيلا لوقائع الحرب والعبور، وبالرغم من دحض فكرة السرية والمفاجأة فيما ورد من أحاديث بينت أن قرار الحرب وموعدها بدقة معروف لدى بعض الأشخاص، حسبما ذكر سعد وهبه في سرده لذكرياته.
كذلك يذكر الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته أن “التحضير مسبقًا لتصوير العبور يعني إذاعة أسرار الخطة للمخرج وطاقم التصوير في الوقت الذي حجبنا فيه هذه المعلومات عن كثير من القادة، والصور التي نُشرت في الصحافة الوطنية والصحافة العالمية، التي كانت تمثل دباباتنا وهي تعبر فوق الكباري والمعديات وجنودنا المشاة وهم يركبون القوارب التي يرفرف عليها العلم المصري في أثناء العبور، كلها صور مزيفة لم يتم تصويرها في أثناء المعركة إنها صور قام الإعلام المصري بالتقاطها بعد المعركة لأغراض الدعاية وقام بتمثيلها جنود كومبارس وأخذت لهم تلك الصور بعيدًا عن قصف المدافع والرشاشات، وأؤكد أنه لم يدخل مصور وأحد إلى منطقة القتال إلا بعد ظهر يوم 8 أكتوبر أي بعد بدء القتال بأكثر من 48 ساعة”.
وحسب رواية سعيد شيمي مصور الحرب آنذاك، فإن تصوير الحرب لم يبدأ فعليًّا سوى يوم 13 أكتوبر، إذ قال: “انتقلت فجر يوم 13 أكتوبر ومعي المخرج داوود عبد السيد إلى الإسماعيلية لنبدأ في تصوير أحداث حرب أكتوبر، بعد أن قدمت وزارة الثقافة طلبًا للقوات المسلحة من أجل الحصول على تصريح بالسفر والتصوير، وتم توزيعنا أنا وعبد السيد على الجيش الثاني الميداني من الإسماعيلية حتى منطقة الشجرة بسيناء، والمصور محمود عبد السميع والمخرج حسام علي، على الجيش الثالث الميداني في السويس، وكان يرافقنا مندوب عسكري لتوجهينا للطرق الآمنة”.
خطاب السادات
يقول سعد الدين وهبة:
“عندما قرر أن يذهب الرئيس إلى مجلس الشعب، دعينا لاجتماع عاجل في مكتب ممدوح سالم أولاً لاختيار المكان الذي يسلكه ركب الرئيس من سراي القاهرة في مصر الجديدة حتى مجلس الشعب، وقد اقترحت أن يسلك طريق الخليفة المأمون وشارع رمسيس إلى ميدان التحرير فقصر العيني، وخالفني بعـض رجـال الأمـن واقترحوا أن يسلك ركب الرئيس طريق صلاح سالم إلى بداية شارع القصر العيني عند أثر النبي، وقد كان منطقيا أن هذا اليوم انتصار عظيم لأنور السادات، ويجب أن تتاح فرصة للجماهير لمشاهدته وتحيته وقلت أننا لن نعد استقبالاً في هـذه المناسبة فالناس في قمة الفرحة، وسوف يعدون بأنفسهم استقبالاً حافلاً للرئيس، ولم ينتصر المنطق السياسي وانتصر منطق الأمن”.
في هذا اليوم، ألقى الـرئيس السادات خطابه الأول في 16 أكتوبر من مجلس الأمة أمام عاصفة الهتاف والتصفيق، وهذا الخطاب الذي استعرض فيـه المعركة منذ بدايتها وقال فيه إن القوات المصرية سيطرت سيطرة كاملة عـلى الضفة الشرقية للقناة وهدمت النقط الحصينة، ورفعت العلم المصري فوق الجبال الشرقية للقناة، كل ذلك في ست ساعات.
يذكر وهبة في سياق سرده لصدور تعليمات موجهه له من فؤاد محي الدين بإعداد فرق الجيش الشعبي، وتجهيز دفعات من المتطوعين ليمثلوا جميع أقسام القاهرة، ورحلات ذهابه إلى بور سعيد معهم لتسليمهم للمحافظ ثم العودة للقاهرة بعض الأمور على خلفية الأحداث وقتها، منها عزل الفريق الشاذلي فيقول:
“في بورسعيد استقبلني المحافظ اللواء هديب، وأسكنا القوات في معسكرات أعدت لهم خارج المدينة، أذكر أن اللواء هديب عندما لقيته في مكتبه كان ببور فؤاد وقد أبلغني أن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة موجود في استراحة القوات المسلحة ببورفؤاد، ويبدو أن خلافا وقع بينه وبين الفريق أحمد إسماعيل وأنهما احتكما للرئيس السادات فكان الرئيس في صف أحمد إسماعيل. قال لي اللواء هديب إنه سوف يتناول طعام العشاء مع الفريق الشاذلي وأنه أبلغه إني موجود ولم يمانع في حضوري معه للعشاء فاعتذرت للمحافظ وطلبت منه الاعتذار للفريق الشاذلي لأني سأتناول طعام العشاء مع أولادي شباب القاهرة الذين جئت بهم وسأتركهم في فجر اليوم التالي، وعـدت للقاهرة وأعددت الفوج الثاني وذهبت بهم للإسماعيلية وبدأنا في إعداد الفوج الثالث، ولكننا لم نكمل اسـتعدادنا إذ بدأ إيقاف إطلاق النار الذي نفذته مصر ولم تنفذه إسرائيل.
الأمر الثاني:
في فترة حصار السويس طوال المائة يوم كان فؤاد محيي الدين مسؤولا عن مد المحاصرين بالغداء عن طريق مدق كان الجيش الإنجليزي قد أعده من المعادي إلى العين السخنة وهو الطريق الذي سفلت الآن وأصبح طريقـا سياحيا يربط القاهرة بالبحر الأحمر وبمحافظة السويس أو بالأحرى منطقة العين السخنة وما حولها، وكان فؤاد محي الدين يطلب منى في بعض الأيام إما متطوعين لمرافقة التموين الذاهب إلى السويس ويشترط ألا يكونوا جنودا في القوات المسلحة أو الشرطة خوفا مـن أن يقعوا في الأسر فتستغلها إسرائيل ضدنا، وكان شباب الأقسام جاهزا دائما لأداء هـذه المهمة ولم يحدث في مرة أن فشلت البعثة في الوصول إلى السويس بطرق غير معروفة بعد وصولها إلى السخنة.
بعد فك الحصار عن السويس كانت أول بعثة رسمية تذهب إلى السويس مجموعة من الوزراء والمسؤولين برئاسة ممدوح سالم، وكانت ثاني بعثـة تصل إلى السويس هي مجموعـة مـن الكتاب والفنانين والمثقفين أعـددتها برئاسة يوسف السباعي، ذهبنا إلى السويس وعبرنا إلى الضفة الشرقية وتناولنا طعام الغداء عـلى مائدة اللواء أحمد بدوي قائد الجيش الثالث، وأذكر ونحن بين ضباط القـوات المسلحة في الضفة الغربية كان عدد كبير من اللواءات يقول إن يوسف السباعي كان مدرسهم في الثانوية العسكرية وكان يوسف يضحك ويقول مفيش حد هنا أقـدر أقول إنه كان أستاذي كلكم كنتم تلامذتي، مشيرا بذلك إلى أنه أكبر من جميع الضباط المحاربين سنا.
شاهدنا خط بارليف النقط الحصينة في مواجهـة السويس، وشاهدنا عيـون موسی، والتقينا بقيادات الصمود أثناء الحصار.
بعد أسبوع واحد أعددت رحلة ثانية إلى بورسعيد ودعوت عددا كبيرا من الفنانين والأدباء وعبرنا إلى خط بارليف وعادوا بذكريات من الجبهة إما شظية مدفع وإما قطعة من الخشب أو الرصاص مكتوب عليها باللغة العبرية.
الحرب لم تصور!
يكمل سعد وهبة شهادته عما عاصره وما كلف به من جمع وتجهيز المادة الفيلمية المصورة والموثقة لوقائع الحرب فيقول:
“عندما عدت لعملي بوزارة الثقافة، وبدأت أسأل عـن اللقطات التي صورها المصورون المجندون أثناء العبور، وجائتنا اللقطات ولم يكن بها لقطة واحـدة تصلح لأن توضع في فيلم تسجيلي أو روائي، وبدأنا نفكر في إعـادة تمثيـل العبــور لتصويره وقامت الشئون المعنوية بجهد مشكور في هذا السبيل وقمت بالاستعانة بالقوات المسلحة بإعادة تصوير العبور عند النقطة 49 جنوب بورسعيد، كانت إحـدى النقط الحصينة المهمة والتي دارت من حولها معركة مهمة وقد كتبت سيناريو فيلم باسـم “النقطة 49” أخرجه مخرج الأفلام التسجيلية حسين الطيب وكتبت سيناريو فيلم “في ست ساعات” الذي أخرجه خليل شوقي وكان أول فيلم يخرج عـن المعركة، وعندما علمت السيدة جيهان السادات بأني قد أعددت هذا الفيلم أبدت رغبتها لمشاهدته وقد أعددنا لها عرضا بقصر ثقافة قصر النيل، وكنت قد أعـددت بـه صالة عرض سينمائي ممتازة، وقد ردت عليّ السيدة جيهان بـألم شديد وبدهشة شديدة إن السادات أثناء الإعداد لحرب أكتوبر وبعـد أن حدد ساعة الصفر قـال للفريق أحمد إسماعيل:
“ماتنساش تتصل بالجماعة بتوع وزارة الثقافة يبعتولك كام مصور ســينمائي ممتاز عشان يسجلوا عملية العبور والمعارك اللى حتكون بعدها”.
وفعلا كلف الفريق أحمد إسماعيل الشئون العامة للقوات المسلحة بهذه المهمة ولكنهم زيادة في السرية فضلوا أن يعهدوا بذلك إلى مصورين مجندين فعـلاً وكانت النتيجة أن هذا الحدث الضخم أو أهم حـرب اجتازتها مـصـر لم تصور، واللقطات التي توضع في بعض الأفلام صورت بعد العبور بل بعد الحرب وبعد إيقاف إطلاق النار.
قال لى يوسف السباعي إن الرئيس السادات طلبه وكلفه بإعـداد فيلم سينمائي عن حرب أكتوبر في مستوى فيلم “أطـول يـوم في التاريخ” الذي يسجل نزول الحلفاء في نورماندي بجنوب فرنسا وكان بداية نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط هتلر وانتحاره وانتصار الحلفاء.
وقال يوسف السباعي إن السادات قال لي إن الذي يملك كل وثائق هذه الحرب ويستطيع أن يعطيكم مادة هذا الفيلم هو الفريق سعد مأمون وكان سعد مأمون قائدا للجيش الثاني خلفا للواء عبدالمنعم خليل الذي زرت معه الجبهة مرات وفي اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر أصيب سعد مأمـون بنوبة قلبية نقلته من الجبهة إلى الفراش في مستشفى القوات المسلحة وبعد أيام استطاع أن يعود إلى القوات المسلحة فعين متحدثا رسميا للقوات المسلحة وتولى شرح العمليات الحربية في مختلف الأجهزة منذ الاستعدادات الأولى حتى نهاية الحرب، وكان سعد مأمون يملك منطقا ممتازا ولغة بسيطة وهو ببساطته يدخل قلـب محدثه في سهولة ويسر، واتصل يوسف السباعي بسعـد مأمون وأبلغه بتعليمات الرئيس السادات وضرب لي موعدا وذهبت إليه وجلست إلى سعد مأمون عدة جلسات أملاني فيها كل شيء عن المعركة وكتبت ذلك كله في عدة كشاكيل”.
ولكن الفيلم لم يتقدم عن ذلك، ظل قيد تلك الأحاديث المدونة عند سعد الدين وهبة.
يستكمل وهبة حديثه:
“سألت يوسف السباعي بعد يومين من حديثه معى عـن فيلم حرب أكتوبر هل قلت للرئيس السادات إنى أنا الذي سيكتب سيناريو الفيلم؟ فقال: نعم، وسألته ولم يعترض قال لو اعترض ما كنت كلفتك أنت حاسس دائما أن الراجل ده ما بيحبكش ليه؟ قلت له اسأل نفسك مش أنت اللي قلتلي إنه قالك إن أنا مش بتاعهم، قال يوسف السباعي ما افتكرش أنت عملت مجهود كبير في الحرب وقطعا هو عارف أنت عملت إيه وطبعا غير رأيه وقلت أرجو.
لم يظهر فيلم أكتوبر ولم يخرج الموضوع عن إعداد المادة العلمية وبعد الحرب جاء وفد سينمائي مـن تـشيكوسلوفاكيا لإعـداد فيلم عن الحرب وكان سيد بدير رئيسا لمؤسسة المسرح والسينما، وكلفنـي بإعـداد سيناريو الفيلم واشترطت ألا آخذ أجرا ووافق سيد بدير كتابة في خطاب رقيق وجدته في أوراقي يرافقني البعثة التشكيلية لمدة أسبوعين في القاهرة وفي بورسعيد وفى الإسماعيلية وفى السويس، وكتبت سيناريو الفيلم، وكان يدور عن حروب إسرائيل الأربعة حرب 1948 و1956 و1967 و1973، وقد اسموا الفيلم “جيوش الشمس” ونفس هذا العنوان استخدمه فيما بعد شادي عبدالسلام في فيلمه التسجيلي عن الحرب.
بعدها سافرت إلى التشيك في عام 1975 حيث أرسلوا في طلبي، حيـث شاهدت نسخة الفيلم الأولى دون صوت وأعددت التعليق وجاءوا بشاب عربي يدرس في برامج تسجيل التعليق على الفيلم باللغة العربية كما كتبته، ثم أرسلوا نسخة من الفيلم هدية إلى وزارة الثقافة بالقاهرة، ولم أهتد حتى الآن على نسخة الفيلم ولم تعرض ولا مرة واحـدة، وكأن حرب أكتوبر حتى لو سجلها الأجانب لا تعرض في القاهرة.
في عهد محمد عبد الحميد رضوان بين عامي 1984 و1985، وهى المدة التي كان فيها وزيرا للثقافة قرر إنتاج فيلم عن حرب أكتوبر، واختار عددا مـن الكتاب بينهم نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وثروت أباظة لكتابة القصة، واختارني يوسف جوهر لكتابة السيناريو، واجتمعنا مع الوزير مرة واحدة وانتهى الأمر كذلك عند هذا الحد فقط من النقاش والتحضير.
سينما الحرب
“استخدمت سوزان سونتاج الحرب الإسرائيلية العربية كمثل للشرط الإنساني، واستطاعت أن تصنع فيلما قويا، واضحا، ذكيا، إنه لا يشبه أي فيلم شاهدته من قبل”، كانت تلك كلمات روبرتو روسيلليني الدعائية والمروجة للفيلم الأول الذى تناول حرب أكتوبر.
الفيلم الإسرائيلي التسجيلي الطويل “الأراضي الموعودة” والذى أنتج بعد الحرب بشهور قليلة وعرض لأول مرة بنيويورك في يونيو 1974، كما عرض بسوق الفيلم الدولي لمهرجان كان في نفس السنة، يدعي الفيلم أن إسرائيل كانت موجود قبل 1948 وأن حربهم مع العرب -من وجهة نظرهم- هي حرب استقلال.
على الجانب المصري، صورت السينما المصرية أول أفلامها عن حرب أكتوبر بعد مضي عدة شهور، استمر تصويره حوالى خمسة أشهر ليعرض لأول مرة في أكتوبر 1974.
بين هزيمة 67 وانتصار 73 كتب إحسان عبد القدوس قصة حملت عنوان “رصاصة واحدة في جيبي” لتعبر عن سيرة ذاتية لطالب جامعي تمزقت روحه على جبهتين: جبهة الداخل حين نال رجل سياسي فاسد من شرف حبيبته؛ وجبهة الحرب في هزيمة عام 67 وتم تغيير الاسم إلى “الرصاصة لا تزال في جيبي”، وتناول الحرب كطوق نجاة لهذا الشاب الذي يفر إلى المعارك على أمل العودة ليثأر لشرفه الذي لوثه رئيس الجمعية الزراعية عباس بيه “يوسف شعبان” مع إعادة ترتيب الأحداث لتنطلق مع محمد سليمان المغاوري “محمود يس” من الكونتيلا، والكونتيلا نقطة عسكرية هامة في شرق سيناء على حدودنا مع فلسطين، وارتفعت أهمية الكونتيلا وقت الحرب العالمية الأولى بهدف اقتطاعها من مصر الواقعة تحت الحماية البريطانية وتعطيل الحركة في قناة السويس، وبعد أن قامت دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وبعد وصول نظام ضباط يوليو 1952 للحكم ظلت الكونتيلا مخفرا عسكريا بين مصر وإسرائيل.
أفرجت الوثائق العسكرية الإسرائيلية عن بيانات باسم عملية الكونتيلا تلك التي سطع فيها نجم إريل شارون في أكتوبر عام 1956 متزعما قوة عسكرية إسرائيلية اقتحمت الكونتيلا وقتلت الجنود المصريين وأسر من بقوا منهم أحياء، وهو ما مهد الطريق لنجاح غزو إسرائيل لسيناء خلال العدوان الثلاثي في 1956 إثر تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس.
لم يخبرنا الفيلم شيئا مما ضمته وقائع تلك المنطقة، فيبدأ فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” من تاريخ 5 يونيو 1967 التي اجتاحت فيه القوات الجوية الإسرائيلية نقطة الكونتيلا وقتلت جميع جنودنا ولم يتبق منهم سوى محمد المغاوري (محمود يس) الذي تبدأ ملحمته من الكونتيلا.
يبدأ مغاوري رحلته زحفا ولهثا في رمال سيناء في أجواء النكسة والانسحاب مصارعا الموت قبل أن ينتشله من الهلاك شيخ من بدو سيناء ويرسله إلى غزة.
مرحلة الكونتيلا في الفيلم لا تزيد على 15 دقيقة من مدة الفيلم الساعتين، ولكنها فترة كافية لتكون الوقود الذي يدفع البطل في بقية الأحداث لاسترداد شرفه على الجبهتين.
فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” إنتاج رمسيس نجيب وإخراج حسام الدين مصطفى، ويراه الكثيرون من النقاد والجماهير أنه من أفضل الأفلام التي أرخت لحرب أكتوبر وما قبلها، بينما يرى آخرون أن شخوصه فقدت وجودها في أحيان كثيرة لما كان بها من رمزية على نحو صريح.
بلغت تكلفة إنتاج الفيلم نصف مليون جنيه وهو رقم ضخم في حينه، وقد سخرت القوات المسلحة كافة الإمكانيات لإنتاج الفيلم حيث اشترك فيه سلاح المدفعية والمهندسين بكامل وحداتهما، واستغرقت مشاهد العبور تقريبا النصف الثاني من زمن الفيلم فقيل إن الجيش المصري حارب من جديد لإعادة تمثيل مشاهد العبور حتى جاءت الحرب على الشاشة صورة حية من الحرب الأصلية.
لا شك أن ما احتوته الملحمة العسكرية من تفاصيل قتالية وبطولية وإنسانية هي في حقيقتها مادة ثرية لمشروعات حية لسيناريوهات سينمائية لا يلزم لإعدادها سوى نقلها كما هي فخصوبة الدراما الواقعية تكفي وتزيد.
ولكن تعامل السينما وصناعها بكل مباشرة مع حرب أكتوبر وعدم خروج ما تم صنعه من عدد قليل هزيل من أفلام عن كونها أفلام مناسبات، تم تنفيذها من منطلق مشاركة السينما في الحدث وليس العكس بتوثيق الحدث سينمائيا، وشابت تلك المشاركات استغلال الحدث وإقحامه بدون غزل التفاصيل الحقيقية في صلب البناء الدرامي لتلك الأفلام.